لم تعد سيادة الدول، في عصر الأقمار الاصطناعية، تقف عند حدودها البرية أو البحرية، بل امتدت إلى الفضاء الرقمي، حيث من الممكن أن يكون ساحة للصراع بين الدول والشركات.
فماذا حدث في هذا السياق، وفي ظل تداخل مفاهيم السياسة والرقمنة ؟
- قدمت ايران شكوى إلى الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة ضد شركة ستارلينك، بسبب تقديمها خدمات إنترنت داخل الأراضي الإيرانية دون ترخيص رسمي.
- خدمة الإنترنت الفضائي التي تقدمها ستارلينك تعتمد على عنصرين أساسيين:
1.الأطباق الأرضية (Starlink Terminals).
2.تغطية الأقمار الصناعية فوق الدولة المعنية.
- تدخل الأطباق إلى إيران بطرق غير شرعية عبر التهريب، وهو ما يُشكل عقبة في قدرة الدولة على السيطرة عليها أو تنظيمها.
- تمر الأقمار الأصطناعية منخفضة المدار (LEO) التابعة لستارلينك فوق الأجواء الإيرانية، ما يجعل الاتصال بها ممكناً في فترات معينة، ويخضع هذا لقرار مباشر من إيلون ماسك مالك الشركة.
- تمتلك ستارلينك إمكانية برمجية لتعطيل أو تفعيل إشاراتها فوق غالبية المناطق الجغرافية في العالم، مما يمنحها سلطة تتجاوز على قرارات الحكومات.
- نتيجة لذلك، فإن اتصال الإنترنت عبر ستارلينك لا يمر عبر البنية التحتية الرقمية الإيرانية، ولا يخضع لموافقات الدولة، مما يجعلها خدمة غير مرخّصة قانونياً .
- المفارقة أن ستارلينك لا تُقدّم خدماتها في دول “غربية” إلا بعد الحصول على تراخيص رسمية وموافقات تنظيمية متعددة، بينما تفعل ذلك في دول أخرى دون احترام لقوانينها.
- بالرغم من ان بدء تفعيل ستارلينك كان متزامنا مع الاحتجاجات في ايران عام 2022، إلا ان اللافت أن ستارلينك كانت فعّالة، أيضاً، خلال الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، وهو مايطرح تساؤلات كثيرة حول أهداف الجيوسياسية.
- الشكوى الإيرانية ليست قانونية فقط، بل تمثل قرارا سياسيا لاستعادة سيادة الدولة على فضائها الرقمي وخطوط اتصاله.
والخلاصة :
تفعيل شبكة إنترنت في دولة ما دون علمها أو موافقتها هو انتهاك فاضح لسيادتها، لا يقل عن اختراق أجوائها بطائرة، فـإيلون ماسك يمنح نفسه حق تفعيل خدماته في دول أخرى دون ترخيص، وفي الوقت نفسه لايجرؤ على القيام بذلك في القارة الأوروبية او غيرها من الدول.
ولذلك من حق أي دولة أن تُقدّم شكوى ضد أي شركة رقمية تنتهك فضاءها السيادي، فالدولة التي لا تسيطر على “سمائها الرقمية”، ستُصبح ضعيفة، عرضة للاختراق، الهيمنة، والتجسس، وحتى التأثير على أمنها القومي.