عمّان/متابعة الزوراء
من الصعب تحليل واقع الإعلام الأردني أمام تطوّر الأدوات والأساليب، والتحرر من أنماط صحفية تقليدية لدى المنصّات الرقمية. وعلى الرغم من محاولات وسائل إعلامية محلية مجاراة التحوّل الرقمي واستخدام أدواته طمعاً بالاقتراب من الرأي العام، ما زالت منصات التواصل الاجتماعي تسيطر على متابعات المواطنين. فهولاء يعتبرونها مصدراً أساسياً لنقل الخبر، وسط التنافس في حلبة «السلطة الرابعة»، بينما تلعب هي دور سلطة رقابية غير منضبطة على السلطات جميعاً. صحيحٌ هناك انفتاح عند السلطات المحلية على التعاون مع وسائل الإعلام، مقارنةً بِحقبٍ سابقة، وكذلك ثمة حرص على تنظيم لقاءات دورية مع قيادات إعلامية في البلاد. إلا أن هناك في المقابل «كسلاً» في التعامل مع بعض التسريبات الآتية من جلسات تجمع السياسيين الرسميين مع الإعلاميين، حيث تشهد تلك الجلسات عادةً تناول أخبارٍ وقضايا وتحليلات متعمد نقلها إلى الرأي العام... لكن على ألسنة «مصادر»!
لا إجابات عن أسئلة ملحة
في الواقع، لا يملك أحد الأجابة عن السؤال حول بطء استجابة الإعلام للمعلومات المسرّبة أو الدخول في تحليل ما بين سطور الأخبار الرسمية، وتحديداً المتعلقة بأحداث شهدتها البلاد خلال السنوات القليلة الماضية. فهناك من يعتبر أن سيطرة المهنيين التقليديين على قيادة مؤسسات الإعلام المحلية الرسمية وشبه الرسمية هي المشكلة، ثم أن دخول «الروتين» على خط العمل الصحفي جعل بعض الصحفيين يزهدون في نقل ما يسمعونه في جلسات «مصادر المعلومات»، وقد يعود السبب في ذلك إلى تأخر بثّ دماء جديدة في عروق المؤسسات الإعلامية.
محاولة لفهم المشهد
تُرحب السلطات بالانفتاح على الإعلام، وتُدرك ذات السلطات السياسية والأمنية في البلاد «الحاجة الماسة» لوجود جبهة إعلامية محلية للدفاع أو الهجوم عند الضرورة. لكن يصعب تفسير ذلك «الترحيب» أو «الإدراك» في ظل ممارسات عابرة للسنوات والعقود والأحداث لجهة «لجم» الإعلام التقليدي بشقيه الرسمي وشبه الرسمي، والسيطرة على ما يُبث من خلاله، لضمان السيطرة على «الخطوط الحمراء» غير المشاهدة أو المُعرفة. ولذا تختار السلطات التحكم باختيار القيادات الإعلامية بنفسها. ونتيجة لهذا الوضع حدث التباس عند الراغبين في الفصل بين الثقة بوسائل الإعلام المحلية بمختلف أشكالها، والثقة في الأخبار الرسمية التي تبثها تلك الوسائل.
مسألة الثقة
من جهة ثانيةa، عديدة هي المؤسسات الحكومية التي لها منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن تبقى مسألة قياس مدى الثقة بما تنشره المؤسسات الرسمية، حيث تحتاج لاستطلاعات علمية محايدة ودقيقة. وهذه الاستطلاعات يجب أن تكون «الدالة» الرئيسية عند قياس مستويات الثقة بالإعلام نفسه أو الحكومة أو السلطة كذلك. راهناً، يُشاع في الأوساط الصحفية الأردنية، أن استطلاعات رأي «مسكوت عنها» تقوم بها مؤسسات مرجعية في المملكة، وترصد تلك الاستطلاعات بشكل محايد حقيقة تأثير الإعلام المحلي بالرأي العام وعناصر القوة والضعف. لكن أثر ذلك وتأثيره لا يتعديان احتواء بعض القيادات الصحفية أو نخب سياسية لهم جمهورهم، مع ممارسة شكل من أشكال «الرقابة المُسبقة» على ما يُبثونه على منصات التواصل الاجتماعي، وأيضاً السيطرة على ساعات الذروة التلفزيونية أو الإذاعية حتى المنصات الرقمية. وهذا من دون أن تنعكس تلك الاستطلاعات على دعم سقوف الحريات الصحفية والاستفادة من مستويات متابعتها والثقة بها لدى الرأي العام.
هوية إعلامية مُلتبسة
الصحفي الأردني محمد ساهر الطراونة، يرى أن تجربة الأردن في الدمج بين الإعلام الرقمي والتقليدي، لم تنضج بعد، بسبب قلة وضوح الرؤية عند قيادات إعلامية، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى «أن هناك مؤسسات إعلامية حققت نجاحاً على مستوى التحول الرقمي، واستفادت في استقطاب جمهور رفع من نسبة متابعة تلك المنصات».
أما بالنسبة للإعلام الرسمي، فقال الطراونة: «توجد خطط تنفيذية في التحول الرقمي، كما أن هناك محاولات واضحة للتطوير والانخراط في العالم الرقمي، لكن الواقع يُظهر أن ضعف الإمكانات التقنية والمالية ما زال يشكّل تحدياً حقيقياً». واردف أن «الكوادر تمتلك الكفاءة... لكن النجاح الرقمي بحاجة إلى دعم استثماري حقيقي، وتطوير للبنية التكنولوجية والمنصات كي يواكب الإعلام الرسمي متطلبات العصر الرقمي بشكل فعّال».
ويعتبر الطراونة أن «تجربة الأردن في التحول الرقمي تجربة مُبشرة، إذ شهدنا خلال السنوات الأخيرة تطوراً واضحاً في الخدمات الحكومية الإلكترونية والبنى التحتية التقنية. لكن رغم هذا التقدم، ما زالت هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التنسيق بين الجهات المعنية، والتخلّي عن بعض الإجراءات الروتينية».
(عن/صحيفة الشرق الأوسط)