بينما تشتعل جبهات الغرب بين الروس والاوكران, يتوجه العالم اليوم بأحداقٍ شاخصةٍ وأنفاسٍ محبوسةٍ نحو الشرق. فقد تلوح في الأفق شرارةٌ أخرى تقلق العقول وتربك الحسابات. فهل يكون غزو الصين لتايوان هو الفصل القادم من كتاب الصراعات الكبرى؟
ماذا لو اشتعلت الجبهة الآسيوية؟ هل نحن على أعتاب حرب مكتملة الأطراف؟ حرب قد يطلق عليها من ينجو منها, بالحرب العالمية الثالثة؟
«سيف التعويذة» أكبر مناورة عسكرية مشتركة.. والصين تحت المجهر
في خضم هذه الأحداث المربكة وفيما الأعين لا تزال تترقب الجنوب الهادي من المحيط الهادئ ,انطلقت قبل ايام في أستراليا أكبر مناورة عسكرية مشتركة لاربعين ألف مقاتلٍ من أستراليا والولايات المتحدة، و 19 دولة منها بريطانيا وفرنسا اليابان وكوريا الجنوبية والهند وكندا.
هذه المناورات العسكرية تقام على امتداد آلاف الكيلومترات متضمنةً تدريباتٍ على خوض حربٍ مشتركة. المناورة القتالية التي أُطلق عليها اسم «سيف التعويذة» شاركت فيها ألوية مدرعة، أسراب جوية مقاتلة، وأنظمة صواريخ متقدمة لتطال بها أجواء القارة الاسترالية ومياهها واراضيها. مناورة أقل ما يطلق عليها بعملية التحدي للصين وجس النبض القتالي للدول الصديقة. لتعقب وزارة الدفاع الأمريكية على هذه مناورة بـ»المناورة التي ستترك للصين مهمة تفسير المغزى منها» دون الخوض في تفاصيل المناورة. في مشهد ٍ لا يخلو من التحدي الصريح والاستفزاز المباشر، في واحدة من أكبر التحركات العسكرية في المنطقة منذ سنوات. فما الذي سيجري بعد التحرك في هذا المحيط الهادئ؟ وما هي السيناريوهات المرتقبة من هكذا تجمع عسكري؟
سيناريو الهجوم الصيني
ما لا يقبل الشك أن الصين مقبلةٌ على اجتياحٍ عسكري لجزيرة تايوان. ومن المرجح أن الصينَ في حال شنت هجومها على هذه الجزيرة فإن التدمير يطال البنية التحتية التايوانية في المرحلة الأولى من الهجوم من موانئ ومطارات، أو ربما نشر عدد كبير من الألغام البحرية. فالصين تمكنت من تطوير نظام سفنٍ كبيرة الحجم, سفن قادرة على الاستقرار على الشاطئ فوق أعمدة خاصة, وفق مبدأ عمل منصات النفط البحرية. فالسفن الصينية بهياكلها العملاقة وألواحها المقاومة, تسمح بإنشاء جسورٍ كبيرةٍ, تشكل ميناء مؤقتا خلال فترة زمنية وجيزة. وتشير الدلائل إلى أن خطوة الموانئ العائمة لا تقام الا بعد سيطرة الجيش الصيني سيطرةً محكمةً على السواحل التايوانية بحكم حجم سفنهم الكبيرة و حركتها البطيئة ما يجعلها فريسة سهلة لأنظمة الدفاع الساحلي التايواني وهو ما يرجح استخدامها بعد المرحلة الأولى من الهجوم أي بعد إنزال ناجح وسيطرة على الشواطئ والأجواء التايوانية سيطرة محكمة, ما يسمح بنقل السلع والمساعدات والجنود الى هذه الجزيرة. وما يعزز هذه السيناريو او قل هذه النظرية في السنوات الأخيرة، هو مدى توغل النفوذ الصيني في المنطقة ايذاناً لهذا الاجتياح, إذ برز توطيد علاقتها بدول جزر المحيط الهادئ (فيجي، وبابوا غينيا الجديدة، وجزر سليمان) كدول محورية في ستراتيجية الصين في المحيط. هذه الدول الثلاثة التي قد لم نسمع بها من قبل, تعدُّ من أهم دول المنطقة من حيث الموقع والثروات. حيث تسعى بكين إلى تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في هذه الدول الغنية بالموارد والواعدة جيوسياسيًا. وتعتبر هذه الدول الثلاث بمثابة بوابة ستراتيجية للصين ليس فقط لما قد تعتزم قيامه في تايوان, بل لتعزيزها مبادرة الحزام والطريق ايضاً، والحصول على دعم دبلوماسي في المحافل الدولية، فضلًا عن الوصول إلى موارد طبيعية مهمة ومواقع بحرية حساسة. ومع تصاعد التنافس بين الصين والقوى الغربية، باتت هذه الجزر الصغيرة تلعب دورًا كبيرًا في موازين القوى الإقليمية. ما حدا بالصين إنفاق مئات الملايين من الدولارات على بناء ملاعب رياضية وقصور رئاسية ومستشفيات وطرق في دول جزر المحيط الهادئ. وما يعزز نظرية دور هذه الدول المخفية الصغيرة ومدى الخطورة التي تكمن فيها حال حدوث غارة على تايوان, هي الاتفاقية الأمنية السرية مع إحدى هذه الدول الثلاثة ألا وهي دولة جزر سليمان.الاتفاقية التي اخفي الطرفان بنودها.
ولكن ما هي ردة الفعل الأميركية حال الاجتياح الصيني لتايوان؟
تشير التسريبات إلى أن ردة واشنطن حال اجتاحت الصينُ تايوان, أنها ستجري اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن القومي، ثم يصدر البيت الأبيض بيانًا حادًا يُدين الغزو خلال 48 ساعة. كما تشير التسريبات والتي على ما يبدو أنها سربت بشكل متعمد لبعض وكالات الإعلام الامريكية, ان الولايات الامريكية تنشر حاملات طائرات وقوات بحرية في بحر الصين الجنوبي وبالقرب من مضيق تايوان. ثم تبدأ طلعات جوية مكثفة استطلاعية ومسلحة في محيط الجزيرة لدعم الدفاعات التايوانية, دون إعلان دخول مباشر في المعركة. كما انها ستطلق هجومًا سيبرانيًا يستهدف أنظمة القيادة والتحكم الصينية. و بالتوازي، يعلن البيت الأبيض فرض عقوباتٍ اقتصادية شديدة على بكين، تشمل البنوك والصادرات التكنولوجية وشركات الدفاع. وفي حال توسع الهجوم يستهدف الصينيون القوات الأمريكية بشكل أو باخر، ما يستدعي تدخل الولايات المتحدة الصراع عسكريا بشكل مباشر وتحرّك تحالفاتها بتفعيل اتفاقيات عسكرية مع الدول الصديقة في المنطقة كاليابان وأستراليا، وكوريا الجنوبية ما يولد اتساع اكبر لحلقة الصدام. ما يستدعي جيوش دول الناتو للتدخل, الفرصة التي لطالما انتظرها الروس لينفردوا بالاوكران التي ستتوقف عنها بطبيعة الحال المساعدات العسكرية الغربية. ليتوغل الروس ربما غربا عبر فنلندا ودول البلطيق. ما يستدعي الدولة الصديقة للصين والتي تكن الضغينة للغرب من التدخل, الا وهي كوريا الشمالية اما ايران فربما تكتفي بإغلاق باب المندب ومضيق هرمز وربما تستأنف ما بدأهُ الكيان في حرب» 12 يوماً». ما يجعل من المنطقة والعالم حلبة مشتعلة لا يعلم مغبة القتال فيها ولا سقف الدمار. حيث تشير المصادر أن الولايات المتحدة تهيأت فعلياً لهكذا سيناريو حيث طالبت اليابان وأستراليا بتوضيح دورهما في حال خوضها حربا مع الصين بشأن تايوان. ليعلق وزير الصناعات الدفاعية الأسترالي، بات كونروي، في مقابلة مع هيئة الإذاعة الأسترالية، على هذه الأنباء بالقول» إن بلاده لن تلزم نفسها مسبقا بإرسال قوات إلى أي صراع» موضحا «أستراليا تعطي الأولوية لسيادتها، ولا نناقش أي افتراضات». ورغم هذا الرد الدبلوماسي المعتدل لكن كل المؤشرات تومئ بالموقف الأسترالي والكوري الجنوبي والياباني, الدول الأقرب التصاقا بالسياسة الغربية, السياسة التي تعد الولايات المتحدة الأمريكية العراب والراعي لها في العالم. وتعتبر أستراليا على وجه الخصوص الحليف الأمني الأقرب لها في المنطقة ، فأستراليا التي لا تسمح بوجود أية قواعد أجنبية على أراضيها , تستثني الجيش الأمريكي الذي يعزز وجوده الدوري في هذه القارة مع زيادة مخازن الوقود لديه في القواعد الأسترالية والتي ستضم بدورها غواصات أميركية من طراز «فرجينيا» في ميناء غرب أستراليا ابتداء من عام 2027. ويقول محللون إن هذه القواعد ستلعب دورا رئيسيا في دعم القوات الأميركية في أي صراع بشأن تايوان.
ماذا عن التايوانيين انفسهم وماذا عن المسمار الذي دُقَّ في جزيرتهم؟
تايوان هي دولة ذاتُ نظامٍ سياسي واقتصادي قوي، لكنها غيرُ معترفٍ بها رسميًا كدولة مستقلة من قبل الأمم المتحدة. منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949، بقيت تايوان خارج سيطرة الحزب الشيوعي الصيني، ما جعلها أشبه ما تكون بمسمار جحا. فجحا الصين يجدها جزءً من السيادة الوطنية الصينية ويجب أن تسترد, فيما يجدها جحا الولايات المتحدة خلاصة التجربة الديمقراطية الغربية وأن لهم الصلاحية في حمايتها ضرباً في المصلحة الصينية. وبالرغم من هذه الوصاية التي تدعيها واشنطن إلا أنها لا تعترف رسميا بتايوان كدولة مستقلة, الأمر الذي يزيد من تفاقم الأزمة لدى هذه الجزيرة.
وعليه فإن موقف سكان تايوان من هذه المعادلة يجدونه متنوعاً ويعكس انقسامًا مجتمعيًا وسياسيًا عميقًا تجاه فكرة ضم الجزيرة إلى الصين. لكن استطلاعات الرأي والانتخابات الأخيرة تشير إلى أن الأغلبية تفضل الحفاظ على الوضع الراهن أو حتى الاستقلال الكامل عن الصين. ومع هذا فان هذه الرغبة لا تمثل شيئاً إزاء رغبة الدول الكبيرة المتصارعة. وبناء على هذه الرغبة الجماهيرية, فقد أجرت القوات المسلحة التايوانية محاكاة للتصدي لأي هجوم صيني محتمل في نهر تامسوي في نيوتاي،. و التدريبات شملت عملية باستخدام الذخائر المتفجرة كجزء من التدريب. وشهدت ايضا تدريبات الصمود امام اي هجوم لأول مرة في المناطق الحضرية المأهولة بالسكان لتقييم الجاهزية. وتأتي هذه التدريبات تأهباً للشارع التايواني الذي اوقدته معلومات استخباراتية أمريكية تم نشرها توحي بأن الصين تستعد لغزو الجزيرة بحلول عام 2027، وبحلول هذا الموعد تشهد المنطقة تصعيداً لا نظير له كما ونوعا, وفي سواحل زانج يانج جنوبي الصين، أظهرت صورا حديثة للأقمار الصناعية ما اعتبره الخبراء ابتكارا تقنيا غير مسبوق يتعلق بإنشاء ميناء عائم معدني. وحسب العقيدة العسكرية فإن هذا النوع من الموانئ العائمة ترمز لغزو عسكري وشيك وواسع النطاق. ما يزيد من ترقب المواطن التايواني لنيران التنين الصيني. تايوان ليست مجرد قضية صينية داخلية كما كانت في السابق, بل تحولت بمرور الزمن الى مفترق طرقٍ عالمي، تقف عنده القوى الكبرى وجهاً لوجه خصوصا بعد تصدرها دول العالم في إنتاج الموصلات. ناهيك عن موقعها الخطير الذي يهدد أمن التنين الصيني ويقلق مضجعه.
اجتياحها لن يكون نهاية الصراع واستقلالها لن يكون أمرا واقعا ترتضيه الصين. كل ما يجري في هذه الجزيرة سيكون بداية عصر جديد من المواجهة في النظام الدولي. ويبقى السؤال متى ساعة الصفر لهذه المواجهة؟