كلما تخلفت ثقافتنا وتراجعت معارفنا إلى الوراء، صرنا نبحث عن ألقاب علمية «كاذبة» نغطي بها على فقرنا العلمي!.
أمس استمعت إلى حكاية غريبة عن طالب دكتوراه في التاريخ، جعل من بورتسموث اسماً لوزير خارجية بريطانيا، بينما بورتسموث مدينة ساحلية تقع في الجنوب الغربي من لندن!.
ومن المؤكد لدينا من هذا «الدكتور» نماذج من «الدكاترة» أمثاله. ربما بدرجة الأستاذية. فقد اجتاحتنا ظاهرة «الدكترة» بلا هوادة، وأصبح سوق الشهادات مستباحاً على آخره، وكثير من هؤلاء لا يفرِّقون بين محمد عبده المطرب ومحمد عبده الإمام، ولا بين ناظم الغزالي وأبي حامد الغزالي!.
طبعا لدينا أساتذة كبار من حاملي الدكتوراه. مثلما نذكر بالعرفان كبار الأساتذة لم يحصلوا على شهادة الدكتوراه. يكفي أن نتذكر: عبد الرحمن البزاز في القانون، وطه باقر في الآثار، وابراهيم الوائلي في اللغة العربية، ومدني صالح في الفلسفة.. والعالم اللغوي الكبير سعيد الأفغاني كان عميداً للآداب في دمشق ولم يحمل شهادة دكتوراه، وفقيه القانون فارس الخوري شارك في وضع ميثاق الأمم المتحدة ولم يكن دكتوراً.. أين منهم «دكاترتنا» اليوم؟!.
وكثير من أدبائنا رفضوا منحهم الدكتوراه الفخرية. كانوا يقولون إنها تحطُّ من قيمتهم. احتقرها عباس العقاد واعتذر عن قبولها نجيب محفوظ.وامتنع طه حسين وكان عميد آداب القاهرة أن يمنح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين، قال إنه «عميد» وليس «عمدة». واستقال احتجاجاً وأصدر كتابه الشهير «مستقبل الثقافة في مصر»!.
وكان الشيخ أحمد الكبيسي يطلب مني أن أناديه بالشيخ ولا أقول يا دكتور. فالدالات في رأيه نكبة على العلم!.
وفي أعوام الثمانينيات خرجت علينا لجنة سلامة اللغة العربية بمجموعة من التسميات الغريبة. فأطلقت على الماجستير اسم «الفاضل» بينما استبدلت اسم الدكتور بـ»العليم»!.
وأذكر أنني ومدني صالح كنَّا نسير في كلية الآداب، وصادف أن قابلنا الدكتور أحمد مطلوب وكان يومها رئيساً لهذه اللجنة. فقال مدني لمطلوب ساخراً: إن اللغة العربية سالمة وسليمة لو أنها تسلم من لجنتكم!.
وعندما عرض رئيس وزراء بريطانيا منصب وزير على أستاذ في جامعة أكسفورد، اعتذر ذلك الأستاذ قائلاً: إن منصب أستاذ في جامعة أكسفورد أعلى من منصب وزير!.رحم الله صديقنا الشيخ جلال الحنفي، كان يستكثر على أمثالهم كلمة «دكتور»، فيكتفي بالإشارة إليهم بحرف «الدال»، ويسقط باقي الحروف!.