رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
صوت الفوضى


المشاهدات 1390
تاريخ الإضافة 2025/07/14 - 10:16 PM
آخر تحديث 2025/07/18 - 6:27 AM

في زمن تتسابق فيه بعض القنوات الفضائية على كسب نسب المشاهدة بأي ثمن، برزت فئة من مقدمي البرامج الذين اتخذوا من الاستعراض والتأزيم وسيلة لإثارة الرأي العام، بعيدًا عن أي التزام مهني أو وطني. هؤلاء لا يكتفون بنقل الحدث، بل يصنعونه، ويوجهونه بما يخدم مصالح خاصة أو أجندات خفية، كثيرا ما تكون متفقا عليها مسبقا  مع إدارات القنوات أو الجهات المالكة لها.
بعض البرامج تُبث اليوم بروح التحريض لا المعلومة، تحمل في طياتها خطابا تقسيميا  موجها ، يعبث بالمشاعر الجماهيرية، ويفتعل الأزمات، ويستغل هموم الناس وقضاياهم لتحقيق مكاسب إعلامية أو سياسية. وما يزيد الطين بلة أن هذه الممارسات لا تحدث ارتجالا أو بدافع الاجتهاد، بل في أحيان كثيرة تأتي ضمن مخطط ممنهج تديره إدارات القنوات أو تموله جهات لها غايات لا تمتّ بصلة لمصلحة الوطن أو وحدة مجتمعه. لكن الجمهور اليوم أكثر وعيا ، وقدرة على فرز النوايا وتمييز الصادق من المتاجر. المواطن لم يعد كما في السابق، بل بات يشاهد ويفهم ويُحلل، ويعرف أن بعض الشاشات تمتهن الإثارة والفتنة تحت غطاء “الجرأة” و”الحرية الإعلامية”، غير أن ذلك لا يعفي الجهات الرقابية والرسمية من واجبها في التدخل، والحد من هذه الظواهر اللاوطنية واللاأخلاقية التي تهدد السلم الإعلامي والاجتماعي والأهلي  في آنٍ واحد. أثبتت العديد من القنوات الفضائية، ومعها بعض مقدمي البرامج، أنهم ليسوا فقط بعيدين عن المهنية، بل أصبحوا شركاء في افتعال الأزمات وتأجيج الشارع العراقي، عبر مقاطع استعراضية مبنية على الإثارة الكلامية والتندر لا على التحقيق المهني أو الكشف الاستقصائي.
إن ما يُبث اليوم من برامج، لا يمتّ بصلة إلى القيم الأساسية للإعلام، بل يُستخدم كأداة للضغط والابتزاز، بطرق لا تمتلك أي هدف إصلاحي أو وطني، بل تنساق وراء رغبة في كسب مشاهدات رخيصة حتى وإن كانت على حساب الأمن الاجتماعي والنفسي للناس. وتقع على هيئة الإعلام والاتصالات مسؤولية مضاعفة في مراقبة هذا الانفلات، من خلال تفعيل الضوابط المهنية، وإيقاف البرامج التي لا تلتزم بالمعايير، بل ومحاسبة القنوات التي تتاجر بمآسي الناس وتغذي خطاب الكراهية والانقسام. فإن لم يكن هناك رادع، ستبقى بعض الفضائيات تعبث بمزاج الناس ووعيهم، دون أن تخشى حسابا أو قانونا. الإعلام ليس حلبة صراع، ولا منصة تصفية حسابات، بل أمانة ومسؤولية أمام الوطن والمجتمع. وإن واجب المرحلة لا يقتصر على وعي الجمهور وقدرته على الفرز، بل يتطلب موقفًا رسميا  حازما من الجهات الرقابية، لوضع حدٍ لهذه الفوضى الإعلامية ومنع المنابر المشبوهة من مواصلة لعب دورها السلبي. لأن الانفلات الإعلامي إذا استمر، لن يكون ثمنه سوى المزيد من الفوضى والخذلان، وخسارة ما تبقى من الثقة بين المواطن والإعلام.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير