رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
سوق السراي.. معقل الثقافة وورق الحبر


المشاهدات 1380
تاريخ الإضافة 2025/07/13 - 10:39 PM
آخر تحديث 2025/07/30 - 7:54 PM

 بين أزقة بغداد القديمة، وعلى مقربة من شارع المتنبي وسوق الصفافير، ينبض سوقٌ عريقٌ برائحة الورق والحبر والكتب القديمة، هو سوق السراي ، الذي ظل لعقود، بل لقرون، ملاذًا للطلبة والكتّاب، وعشاق الكلمة، والباحثين عن نفائس المعرفة، ومحجًّا للثقافة الشعبية والرسمية على حد سواء.
يُعد سوق السراي من أقدم أسواق بغداد، ويقع بجانب  المدرسة المستنصرية ، ولهذا ارتبط منذ نشأته بالطابع العلمي والثقافي. ويُقال إن السوق تأسس في العهد العثماني، وكان في بداياته يُعنى ببيع القرطاسية ولوازم الدراسة، مما جعله وجهة للطلبة وعلماء الدين والمعلمين.. بمرور الزمن، توسّع محتوى السوق ليشمل الكتب بمختلف أنواعها، خصوصًا الكتب الدراسية والمناهج، ثم بات لاحقًا يشتهر بطباعة الكتب وبيع المجلات والوثائق القديمة والخرائط التاريخية.
لعب الكتبيّون في سوق السراي دورًا محوريًا في بناء الذاكرة الثقافية للعراق. كانوا تجّار كتب، لكنهم أيضًا أدلاء فكريّون يعرفون الكتاب ومؤلفه ومتى طُبع وأين. بعضهم ورث المهنة عن أبيه وجدّه، ويعامل الكتاب ككنز لا كمجرد بضاعة.
أسماء مثل «حجي نعمان»، و»أبو علي الكتبي»، وغيرهم، لا تزال محفورة في ذاكرة مرتادي السوق، وكان بعضهم يحفظ محتويات الكتب عن ظهر قلب ويعرف ما يصلح لكل طالب أو باحث.
في الزمن الذي سبق الثورة الرقمية، لم يكن هناك بديل عن سوق السراي للحصول على الكتب الجامعية والطباعية والنماذج الرسمية ودفاتر المحاضرات. كل طالب عراقي تقريبًا، من الموصل إلى البصرة، مرّ بسوق السراي، أو حمل شيئًا من نتاجه.
كانت المطابع تنتشر هناك، ومعامل نسخ الكتب، وورش الطباعة الحجرية، ودفاتر «الروزنامات»، وحتى مستلزمات الخط العربي والرسم والزخرفة الإسلامية.
رغم التراجع في الإقبال نتيجة توفر الكتب الإلكترونية والنسخ الرقمية، لا يزال سوق السراي قائمًا، محافظًا على روحه الثقافية. تجد فيه اليوم:
* مكتبات صغيرة تبيع كتبًا نادرة ومراجع جامعية.
* محلات لتغليف الرسائل الجامعية وتصميم الأطاريح.
* أدوات فنية مخصصة للخطاطين والمهندسين والطلبة.
* مطابع تقليدية تعاند الحداثة بحبرها وروائحها العتيقة.
في أيام الجمعة، يتحول السوق، كما شارع المتنبي، إلى تظاهرة ثقافية، حيث تختلط الكتب بالموسيقى، وتقام الندوات الثقافية في المقاهي المجاورة، وتعود الذاكرة لتنتعش من جديد.
سوق السراي ليس مجرد سوق للكتب، بل هو  ذاكرة حضارية  لعاصمةٍ أنجبت الشعراء والعلماء والفقهاء. هو المكان الذي احتضن دفاتر الأجيال، ومحابر الكتّاب، واحتفظ بعبق الخط العربي وروح المدرسة المستنصرية، وصوت الورق المتراكم عبر السنين.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير