رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
جعفر علي فنان أرسى دعائم المسرح وتصدى للأعمال الهابطة


المشاهدات 1456
تاريخ الإضافة 2025/07/12 - 9:58 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 2:52 AM

الفنان جعفر علي واحد من اهم الفنانين العراقيين، الذين تركوا أثراً لا ينسى في تاريخ الفن المسرحي والسينمائي العراقي، هذا الفنان الكبير يحتاج الى تسليط أضواء كثيرة عليه، لأنه غبن كثيراً وهمش كثيراً، رغم الامكانية الفنية والادبية التي يتمتع بها، فهو مخرج سينمائي ومسرحي واستاذ أكاديمي ومؤسس لتيارات سينمائية ومسرحية واقسام السينما في كلية ومعهد الفنون الجميلة، وصاحب موسوعة معرفية بالثقافة والأدب.

كما انه واحد من السينمائيين المبدعين ممن كانوا يحلمون بقيام سينما عراقية بديلة تتجاوز السائد والمألوف وتحلق عاليا في فضاءات من السحر والجمال والخيال وتغترف من الواقع المؤلم والمرير الكثير. 

الفنان جعفر علي من مواليد عام 1933 وفي محلة علاوي الحلة – بالقرب من سينما قدري – بغداد – ويعد واحدا ممن أرسوا دعائم المسرح الجاد والسينما والواقعية الجديدة وتصدوا بقوة وشجاعة للأعمال الهابطة الهزيلة، ومن اجل فن حي اصيل يتوهج بالحب والحياة ويبدد العتمة. تخرج في كلية الآداب بجامعة بغداد 1956 وهو يحمل بكالوريوس الأدب الإنكليزي، التحق بجامعة آيوا الأمريكية وتخرج فيها 1961 يحمل شهادة ماجستير السينما والتلفزيون، فعاد إلى بغداد وهو يحمل ثناياه بتحقيق السينما عراقية الهادفة.
اعتقل الفنان جعفر علي في التاسع عشر من اذار عام 1963 وقد أطلق سراحه في الثاني من ايار عام 1963 بعد أن لم تثبت التهمة بحقه، ولاحقا أشرف على اصدار سلسلة بعنوان مختارات من المسرح العراقي من بينها المسرحيات (جسمان ومظلة) للفنان سعدون العبيدي (سترة توصاه) اعداد جعفر علي (حسن افندي) لطه سالم (المدمن) لتوفيق البصري (زهرة الــــــسلطان) اعداد جعفر علي.
وبحكم اتقانه اللغة الانكليزية وهو الذي درس الادب الانكليزي في كلية الآداب جامعة بغداد وتخرج فيها عام 1956 فضلا على سفره الى امريكا وحصوله على الماجستير في السينما والتلفزيون لاحقا تراه يترجم من الكتب والمقالات ماله علاقة بالسينما والتلفزيون والمسرح. 
بعد عودته أصبح مدرسا للصوت والإلقاء في معهد الفنون الجميلة - بغداد، ومدرسا للتمثيل في كلية الفنون الجميلة، فشكل مع الفنان سعدون العبيدي فرقة مسرح بغداد الفني وأصدر سلسلة من مختارات المسرح العراقي. الراحل جعفر علي يحق له علينا ان نستذكره، وان نتوقف عند البصمات التي تركها عندما انشئ قسم السينما، ولاحقا السمعية والبصرية. 
إن اجيالاً بأكملها قد تخرجت على ايدي هذا الرائد الكبير، الذي كانت له مميزاته الخاصة في كونه مبدعاً يجمع بين الخبرة الاكاديمية والتدريس والعمل السينمائي من خلال الافلام التي اخرجها او شارك في إنجازها.
عاش الفنان جعفر علي حياة حذرة لكنها كانت مليئة بالعطاء والإبداع، وحتما هناك الكثير من تلامذته الذين يتذكرونه ويستذكروه مستقبلا. نعم كانت ايامه الاخيرة لم تكن تليق به أو بأي مبدع او مبدعة، ناهيك بأي عراقي او عراقية لولا سياسة الانظمة الرعنة وقادتها الاوباش الذين اوصلوا البلد لما هو عليه أمس. 
أسس قسم السينما في معهد الفنون الجميلة، واستورد أبرز الأجهزة والمعدات السينمائية من ضمنها كاميرا 16 و35ملم، واستدعى أبرز الاساتذة المختصين لهذا القسم الجديد في الأكاديمية منهم المخرج السينمائي المعروف توفيق صالح للإخراج، هاشم النحاس، لؤي القاضي وعباس الشلاه، حتى تكاملت كل المواصفات الفنية للقسم، وكانت الصيغ والاساليب التي اتبعها لقيادته لهذا القسم السينمائي الشاب تشكل تحديا لكل المعاهد السينمائية في الوطن العربي.
 لدى تأسيس مصلحة السينما والمسرح في العراق اخرج فيلمه السينمائي الأول «الجابي» 1968 والذي كتب قصته والسيناريو والحوار جعفر علي نفسه، وهو يتحدث بشكل واقعي عن حياة الناس وهمومهم اليومية داخل حافلة نقل الركاب ،ثم أخرج فيلمه الثاني (المنعطف) 1974 المأخوذ عن رواية الكاتب العراقي غائب طعمة فرمان بعنوان (خمسة أصوات) وهو من أبرز الأفلام السياسية الذي انتجته الشركة الوطنية للأفلام الوطنية وعرض في العديد من المهرجانات العربية والمحلية والدولية من ضمنها مهرجان موسكو السينمائي عام 1975، كذلك أخرج فيلمه السينمائي الثالث سنوات العمر 1976والذي صورت اكثرية مشاهده في ألمانيا وبالألوان والذي يتحدث عن اليد العاملة العراقية وعودة الكفاءات العراقية من الخارج إلى أرض الوطن، إلا أن الفيلم لم ير النور لأسباب إنتاجية وسياسية. شارك ممثلا في فيلم المسألة الكبرى 1982 للمخرج محمد شكري جميل، شارك بكتابة سيناريو فيلم فائق يتزوج 1984 للمخرج المصري إبراهيم عبد الجليل، وعمل كذلك في الإدارة الفنية بنفس الفيلم، عمل مخرجا منفذا في فيلم حمد وحمود 1985 والذي اخرجه إبراهيم جلال. وكتب قصة فيلم طائر الشمس 1991 الذي اخرجه الراحل صاحب حداد. مثل في فيلم الفارس والجبل 1988 والذي اخرجه محمد شكري جميل. مثل في فيلم الملك غازي 1993 للمخرج محمد شكري جميل. واخرج لصالح تلفزيون العراق تمثيلية «الرجل الذي فقد رائحته» وتمثيلية «زهرة والسلطان».
عاد جعفر علي إلى الإخراج السينمائي في 1991 بعد خمسة عشر عاما وإخراج فيلمه سنوات العمر 1976، ثم ليخرج فيلمه السينمائي الجديد نرجس عروس كردستان.
ومن تجاربه الفريدة في مسرح الفضاء الطلق قدم مسرحية (فيت روك) لميغان تيري وهي من ترجمته وقام بإخراجها لكلية الفنون الجميلة، عنوان المسرحية يقترب من (الروك اندرول) الرقصة الامريكية الشهيرة للدلالة على الخسائر التي تكبدتها القوات الامريكية علي ايدي الفيتناميين وهم يخوضون حرب المواجهة والتحدي. مسلطا الضوء على ما تحمله المسرحية من قيم وقضايا جاءت نتيجة المعاناة والتمرد ضد الحرب الاستعمارية في فيتنام وبما يؤكد الرغبة الانسانية في أن يسود السلام على الارض وعن الفرقة المسرحية. 
علماً ان هذه المسرحية رفصت مسارح اميركا تقديمها  في عام 1966 ولم تجد غير الساحات العامة والمقاهي بعد ان أغلقت ابواب المسارح في بروداي لأنها لا تفتح إلا للعروض التي تجد اقبالا تجاريا، لكن قدمت المسرحية في العراق في حصن الاخيضر بكربلاء وفي الهواء الطلق ومثلها طلبة الاكاديمية على اختلاف مراحلهم واذكر منهم الفنان جواد الاسدي وعقيل مهدي وحسن عبد وعبد الجبار كاظم وعز الدين طابو، فكانت بحق تجربة جديدة ومهمة اثارت صدى حسنا واهتماما ملحوظا في الوسط الفني، فقدمت صور من اهوال الحروب وما زالت صورة المخرج الراحل جعفر علي بقامته القصيرة وهو يحمل الاكورديون ويعزف ببراعة ملحوظة ليربط بين مشاهد المسرحية بل ليذكي ضرباتها وردود افعالها. 
أما المسرحية الثانية (أين تقف)، فهي جاءت كرد فعل ايجابي بعد تأميم نفط العراق في العام 1972 وانحياز الكاتب لفعل التأميم كقرار وطني في صالح العراق، وانطلاقامن تصوره الكاتب-المخرج بأهمية الحدث الكبير لأن يكون نفط العراق في خدمة العراقيين.
طالما ينطلق جعفر علي من اعتبار مكانة السينما التي أحبها كثيرا، وناضل من أجل أن تكون مؤثرة في العراق، ولو بالإمكانات المتواضعة غير المشجعة، فصنع وبالإمكانات البسيطة أول فيلم انتجته الدولة-السينما والمسرح-وهو فيلم (الجابي)، وأسس للسينما والتلفزيون أول قسم علمي في أكاديمية الفنون الجميلة هو (قسم السمعية والمرئية 1973)، طامحا في يوم من الايام أن يكون القسم معهدا عاليا للسينما يرفد العراق بالكوادر العلمية المتمكنة من قيادة السينما في العراق، معهد يقف بجدارة امام أهم معاهد السينما في العالم، كما ترجم للسينما واحدا من أهم الكتب السينمائية (فهم السينما-لمؤلفه: لوي دي جانيتي) الذي استهل مقدمته بقول أثير للمخرجة السينمائية الأمريكية (مايا ديرن)، في أن « للسينما مدى تعبيري غير اعتيادي، فهي تشترك مع الفنون التشكيلية في حقيقة كونها تكوينا مرئيا .
من هنا يمكننا معرفة الأهمية التي يعنيها المسرح في نفس جعفر علي. ومثلما قدم للسينما الكثير، كذلك قدم الكثير للمسرح.
لقد ظهر جعفر علي في اهم المراحل الثقافية التي مر بها العراق والمنطقة صعوبة، حيث كان الغزو الثقافي الجميل في قمة ألقه يقيم ظلاله الوارفة على العراق والمنطقة. فستينيات القرن الماضي شكلت انعطافه خطيرة على كامل الجيل من تلك المرحلة، نتيجة الأحداث الكبيرة التي مرت بهم وقتذاك، ان الذي مر بها جيل ما قبل تلك المرحلة المتهم بسكونيته سجلت له، ولصالحه المرحلة بأكملها وبجدارة، انه (جيل الستينيات) المشاكس الخطير، ولم يكن (جعفر علي) إلا واحدا من أبرز رواد ذلك الجيل الستيني الذي ساقه غياب حبيبته (السينما) وشح الإنتاج الفيلمي، لأن يدخل المسرح، ولم يدخله خانعا، ضعيفا كونه مجالاً آخر غير عالمه، بل يتضح أنه كان متسلحا لأن يكون واحدا من قاماته العالية، وبكل جدارة، وفهم، ودراية. دخله بقوة، أسس له (فرقة مسرح اليوم)، التي وقفت بتحدٍ أمام اهم الفرق المسرحية العاملة آنذاك من أمثال: فرقة المسرح الفني الحديث، والفرقة الشعبية، وفرقة 14 تموز، وسواها من الفرق التي ساهمت في تأسيس وبناء الحركة المسرحية العراقية. كما وان لتأسيس فرقة «مسرح اليوم «ومعه نور الدين فارس ونجيب عربو والتي اجيزت في الرابع من اب عام 1969 واختير رئيسا للفرقة تقديرا لمكانته وخبرته، حتى اختار مجموعة من الطلبة للانتماء إليها ورفدها بالدماء الشابة للمشاركة في باكورة انتاجها بمسرحية (الغريب) للكاتب نور الدين فارس ومن اخراج الفنان الراحل جعفر علي، والمسرحية تعكس اغتراب الانسان في مجتمع يتأكله الجشع والطمع والنزوات الشريرة واللاإنسانية مثل الشخصية الرئيسة شدهان الذي جسدها الفنان ناظم شاكر الي جانب كوكبة من الوجوه المعروفة واللامعة ومنها: قاسم حول ، عبد الوهاب الدايني، بسام الوردي، فاطمة الربيعي، علي فوزي، علي رفيق، اديب القليه جي ، وداد سالم، فيصل المقدادي، ازهر جواد، فاضل الحلاق، صفوت الجراح، عباس الجميلي، علي كامل، عز الدين طابو ، وقدمت المسرحية في الخامس من كانون الاول عام 1970 على خشبة المسرح القومي في كرادة مريم. 
وتتوالى الاعمال الأخرى التي تتجمع هذه النخبة الصاعدة للمسرح يوميا في باحة الفرقة الكائن في عمارة الطريحي – شارع السعدون مع هذا الفنان القدير الذي لن ننسي دوره البارز في غرس حب المسرح والتعرف اليه عن قرب وبما يعزز التوجه من أجل مسرح عراقي انساني المضمون وبما يكرس ان المسرح للشعب وبكل تألق وابداع وبعيدا عن الهبوط، والانحطاط، والسذاجة والارتجال. ولم تكتف الفرقة بتقديم اعمال مسرحية تركت اصداء ايجابية ومهمة في الساحة المسرحية بل سعت لتقديم اعمال تلفزيونية عالمية ومحلية متنوعة، ولنا ان نشير الى بعض منها وهي من اخراج الفنان الراحل جعفر علي منها «صمت البحر» لفيركور وبطولة الفنان الراحل بسام الوردي، «الرجل الذي فقد رائحته»  تأليف عارف علوان وبطولة قاسم حول واديب القليه جي وتمثيل نجيب عربو وعلي فوزي وفاروق اوهان « شناشيل وهيب»  تأليف نور الدين فارس وتمثيل سليمة خضير، زهرة السلطان وداد سالم وعلي فوزي اعداد جعفر علي «الابرة واللهب» تأليف نور الدين فارس ، «القضية رقم 2» تأليف عارف علوان وقد سجلت للتلفزيون ولم تبث كونها تتصدي لموضوع الفساد الاداري والبيروقراطية، وقد أدى دور البطولة فيها الفنان علي فوزي بالإضافة الى اغلب اعضاء الفرقة. كما أخرج جعفر علي عددا من المسرحيات أبرزها: الغريب، ضرر التبغ، قصة حديقة الحيوان، عروس للمزاد، السؤال، اين تقف ؟، كما مثل دور السجين في مسرحية مواطن بلا استمارة إخراج الفنان وجدي العاني. كانت ايامه الاخيرة توحي بموت بطيء، فقد بدأ يفقد كل شيء فزوجته قتلها متهور في نفق الشرطة. وابنته الدكتورة قد ماتت هي الأخرى. اما حبيبته وابنته العزيزة السينما فكان يشاهد موتها البطيء يوميا. كان حزنه كبيراً وقد اهملته الدولة وأذرعها في المسرح والتلفزيون والسينما  توفي جعفر علي عام 1997، تاركاً وراءه إرثاً فنياً قيماً في عالم السينما والمسرح العراقي، وطالما ناشدنا بضرورة استذكار هذا الفنان الدؤوب والحريص على توليد أجيال ساعية الى إيجاد بدائل تنوير للمسرح والسينما بالعراق.


تابعنا على
تصميم وتطوير