رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ما الذي تريده إسرائيل؟!


المشاهدات 1516
تاريخ الإضافة 2025/07/02 - 10:40 PM
آخر تحديث 2025/07/07 - 1:54 AM

في خضم الصراعات والتقلبات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبرز إسرائيل كلاعب مركزي يسعى لتثبيت وجوده وتعزيز نفوذه بكل الوسائل الممكنة، إذ لا تقتصر أهدافها على حماية أمنها فقط، بل تتجاوز ذلك إلى بناء مشروع استراتيجي يهدف إلى فرض واقع جغرافي وسياسي جديد يخدم مصالحها على المدى البعيد. 
لطالما شكل العدو الاسرائيلي حالة فريدة في الشرق الأوسط، كيان يواجه تحديات أمنية وسياسية مركبة، يضعه أمام خيارات استراتيجية تهدف إلى تأمين بقائه وتعزيز نفوذه. فما هي أهداف إسرائيل الحقيقية، وما الذي تسعى إلى تحقيقه في المشهد الإقليمي المتغير؟
في العمق، تتطلع إسرائيل إلى فرض واقع جغرافي وسياسي جديد يضمن لها السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية، وحرمان الشعب الفلسطيني من إقامة دولة مستقلة ذات سيادة. تستند في ذلك إلى سياسة التوسع الاستيطاني المتواصل في الضفة الغربية وتهويد القدس، حيث تحوّل هذه الخطوات دون أي حل عادل للقضية الفلسطينية، وتخلق وقائع تحول دون تحقيق حلم الدولة المستقلة. كذلك، تُبقي إسرائيل الحرب والحصار الخانق لقطاع غزة، ما يضمن إضعاف القدرات الفلسطينية وتحجيم أي تهديد محتمل لأمنها.
على الصعيد الإقليمي، تُعطي إسرائيل أهمية كبرى لتوسيع شبكة تحالفاتها، التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى تفاهمات رسمية مع دول عربية عبر اتفاقيات التطبيع. هذه الاتفاقيات لا تقتصر على الجانب الدبلوماسي فقط، بل تهدف إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وتقليل الدعم الذي كانت تتلقاه المقاومة الفلسطينية من بعض الدول العربية، مما يضعف جبهتها الداخلية والإقليمية على حد سواء.
من جهة أخرى، تنظر إسرائيل إلى إيران وحلفائها كأكبر تهديد وجودي، فتسعى من خلال عمليات استخباراتية وعسكرية استباقية إلى تقليل نفوذهم الإقليمي، خصوصًا في لبنان والعراق واليمن. هذه التحركات تعكس سعيها لمنع تشكل محور مقاومة متماسك يهدد استقرارها، وتجعلها اللاعب الإقليمي المسيطر.
بالنظر إلى ما سبق، يتضح أن المشروع الإسرائيلي يتجاوز حدود الدفاع عن الذات، ليشمل بناء بنية استراتيجية تضمن لها الهيمنة والقدرة على فرض إرادتها على أرض الواقع. هذا المشروع يعكس رؤية طويلة المدى تسعى إلى إحكام السيطرة على الأرض، وتحقيق نفوذ سياسي وعسكري مستدام.
في النهاية، تبقى إسرائيل دولة تبحث عن بقائها عبر فرض واقع جديد لا يعترف بحقوق الفلسطينيين كاملة، ويحول دون ظهور أي قوة إقليمية تنافسها، مما يجعل المنطقة أمام تحديات كبيرة، ويتطلب تفكيرًا استراتيجيًا عميقًا من جميع الأطراف لتجنب المزيد من التصعيد وفتح آفاق للحوار والسلام.
لكن ما يثير القلق على مستوى أبعد هو أن الفكر الصهيوني لا يقتصر على حدود سياسية قابلة للتفاوض، بل يقوم على رؤية دينية وأسطورية تعد التوسع جزءاً من الوعد الإلهي. وفق هذا المنظور، لا تتوقف حدود الدولة عند ما هو قائم اليوم، بل تمتد نحو “أرض إسرائيل الكبرى” التي تشمل مناطق من فلسطين التاريخية، وامتدادات نحو الأردن، وسوريا، وحتى أجزاء من العراق ومصر في الفكر المتشدد. هذا البعد العقائدي في السياسة الإسرائيلية يحمل معه مخاطر حقيقية، لأنه يتعامل مع الجغرافيا والسيادة كحق مقدّس غير قابل للتنازل، ما يضع المنطقة في مواجهة دائمة مع مشروع توسعي لا يعترف بالحدود ولا بحقوق الشعوب الأخرى. الخطر الأكبر أن هذا التوجه لم يعد هامشياً بل بدأ يترسخ في الخطاب السياسي الرسمي لبعض الأحزاب الحاكمة.
وفي ظل هذا الخطر العقائدي التوسعي، يبرز خطر التطبيع العربي مع إسرائيل كعنصر يزيد من تعقيد المشهد. فالتطبيع في صورته الحالية لا يُبنى على تسوية عادلة أو التزامات متبادلة تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني، بل يأتي في سياق يكرّس هيمنة إسرائيلية سياسية واقتصادية وأمنية على الإقليم. الأخطر أن هذا التطبيع يُستخدم لتلميع مشروع الاحتلال وإضفاء شرعية على سياسات التوسع، ما يُضعف الموقف العربي الموحد ويحوّل القضية الفلسطينية من قضية مركزية إلى ملف ثانوي. إنه تطبيع بلا مقابل حقيقي، يتم فيما تستمر إسرائيل بتهويد الأرض، وتشريد السكان، وتكريس نظام الفصل العنصري، في تناقض صارخ مع أبسط مبادئ العدالة الدولية.


تابعنا على
تصميم وتطوير