“من طبّ الجسد إلى طبّ الوطن”: الخزعلي يُطلق علم الدولة في بغداد… والكرادة تنبض بالفكرة
إعداد وتحرير: اللجنة التنظيمية
في أمسيةٍ فكريةٍ استثنائية، ووسط حضورٍ نخبويّ نوعيّ من مفكرين، وأكاديميين، وناشطين، وصُنّاع رأي، شهد مركز رواق بغداد الثقافي بمنطقة الكرادة – عرصة الهندية، في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم الأربعاء الموافق ٢٥ حزيران ٢٠٢٥، حفل توقيع الكتاب الجديد للمفكّر العراقي د. عقيل محمود الخزعلي، الذي حمل عنوانًا لافتًا:
“علم الدولة… مقاربة الانتقال من طبّ البدن إلى طبّ الوطن”، والصادر حديثًا عن دار ومكتبة الرواق.
فكرة خارج المألوف… لكنها في صلب الألم العراقي
لقد كان العنوان وحده كفيلًا بإثارة العقول:[كيف يمكن للطبّ أن يغادر الجسد، ويُلقي بظلاله على الوطن؟],
[كيف يُمكن للدولة أن تُفحَص كما تُفحَص الرئتان، أو أن تُعالَج كما تُعالَج المعدة أو القلب؟],
لم يكتب الدكتور عقيل الخزعلي كتابًا عاديًا، بل قدّم مقاربةً فريدةً تقف على تخوم السياسة والفكر والإدارة والطبّ المجازيّ، لتقول:[الدولة كائنٌ حيٌّ أيضًا… يحتاج إلى تشخيصٍ، ودواء، وخريطة علاج، بعيداً عن منطق اجترار الخطابات].
من عمق التجربة… إلى مشروع للإنقاذ
سألناه في مستهلّ الجلسة:
دكتور عقيل، ما الدافع وراء هذه المقاربة؟ كيف جئت بفكرة “طبّ الوطن”؟
فأجاب بهدوء:
حين رأيتُ جسد الدولة العراقية – ومعها دول كثيرة نامية – يُعاني من الفوضى، والفساد، والعطب المؤسسي، شعرت أننا بحاجة إلى ما هو أكثر من إصلاح تقني.
نحن بحاجة إلى علم جديد، علم يُفكّك علل الدولة كما يُفكّك الطبيب جسد الإنسان.
ومن هنا كانت الدعوة التي يوجهها الكتاب في مضامينه: (أن ننظر إلى الدولة بوصفها كائنًا عضويًّا له جهاز مناعة، وله قلب، وله عظام، وله استجابة أو فشل، بعيداً عن وصفها جهازًا إداريًّا فحسب).
أعراض الدولة… نزيف داخلي أم جلطات سيادية؟
في مقطع آخر من الحوار، سألنا:
[هل يمكن فعلاً أن تكون للدولة أعراض سريرية؟]
أجاب الخزعلي مؤكدًا:( نعم، بل وأكثر مما نتصوّر.
حين ينهار الأمن، فهذه أعراض خللٍ في جهاز المناعة.
حين يستفحل الفساد، فذاك أشبه بنزيف داخلي خفيّ.
حين يتشوّه العقد الاجتماعي، فنحن أمام تكسّرٍ في العظام السيادية للدولة.
لقد أردت أن أقول: دعونا نكفّ عن التعامل مع الدولة ككُتلةِ مؤسسات فقط، ونتعامل معها بوصفها منظومة حيوية متكاملة).
المواطن… هل هو المريض؟ أم هو الدواء؟
طرَح الحاضرون تساؤلًا مهمًّا:
[ما موقع المواطن في هذا السياق؟ أهو من المرضى؟ أم من المعالجين؟]
وكان ردّ المؤلف عميقًا:
(المواطن هو الخلية الأمّ، إمّا أن تكون مريضة ناقلة، أو مناعية مُقاومة.
إذا فَقَدَ المواطن وعيه بالدولة، صار مثل خلية متمردة تُسهم في تفكّك الجسد.
لكن إذا وعى ذاته ووطنه، فإنه يُصبح لقاح الدولة.
ولهذا، فالكتاب ليس للمسؤولين فقط… اذ انه لكل مواطن يسأل: ما دوري؟ وما مسؤوليتي؟).
الممانعة الوطنية… مقاومة ذكية
في معرض حديثه عن المفاهيم الجديدة التي صكّها، قال الخزعلي:
(الممانعة الوطنية الناجزة ليست شعارًا سياسيًا، او فعلاً عُنفياً.
هي منظومة مناعة للدولة، تُبنى بالعقل والوعي والسيادة المؤسسية.
و”المقاومة الذكية» هي مشروعٌ للاستقلال الايجابي المنتِج والمستدام.
هي رفضٌ للخطر، وابتكارٌ للبديل.
هذه المفاهيم ليست من قبيل الترف النظري، لكنها ضرورة لبقاء الدولة حيّة.”
خريطة علاج وليس مجرّد تشخيص
أكّد الخزعلي أن الكتاب ليس من جنس التنظير المجرد:
(هو مشروعٌ عمليّ إصلاحيّ، يتضمّن نماذج ومؤشرات وأدوات، وينطلق من العراق، لكنه يُخاطب كل دولة نامية تعاني مما نعانيه.
إنه خريطة علاج قبل أن يُصبح المرضُ مزمنًا).
كلمة أخيرة… للشباب
وختم اللقاء برسالة مؤثرة وجّهها لشباب العراق:
(أنتم الجيل الذي لا نريده أن يرث المرض… لكننا نحتاجه ليقود الشفاء.
هذا الكتاب ليس آخر الكلام ونهاية مطاف، انما هو بداية وعنفوان.
اقرأوه، وانقدوه، وأعيدوا صياغة الدولة بما يليق بكم.
لا تكونوا ضحايا التاريخ، بل صُنّاعه).
ختامًا…
لم يكن حفل توقيع كتاب “علم الدولة” مجرد تظاهرة ثقافية،
لقد كان عيادةً مفتوحة للوطن…
حضر فيها العُقلاء، وتحدّث فيها الفكر، وسُجّلت فيها بدايةُ علمٍ جديدٍ قد يُصبح في قادم الأعوام حقلًا معرفيًا عراقيًّا أصيلاً:
[علم الدولة..,ك.من طبّ البدن إلى سيادة الوطن].