رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
شاشات التفاهة.. منابر تصنع الجهل


المشاهدات 1059
تاريخ الإضافة 2025/06/30 - 9:25 PM
آخر تحديث 2025/07/01 - 4:38 AM

في زمن باتت فيه بعض المنصات الإعلامية تخلط بين “الترند” والرسالة، وبين “الشهرة” والقيمة، نشهد اليوم انحداراً خطيراً في المحتوى الذي تقدمه بعض الفضائيات والمواقع الإخبارية. لم تعد هذه الجهات تكتفي بنقل ما يحدث، بل أصبحت تصنع من التافهين نجوماً، وتمنحهم مساحات وواجهات وكأنهم أصحاب منجزات معرفية أو تجارب ملهمة، بينما هم في الحقيقة وجوه عابرة تغذي الفوضى الفكرية وتعبث بالنسيج الاجتماعي.
إن ما نشهده من ترويج ممنهج لمحتوى هابط يتصدره “مؤثّرون” لا يملكون من المؤثرات إلا الجهل، يمثّل انحداراً في دور الإعلام ومسؤوليته. ففي برامج الاستوديو والحوارات التلفزيونية، يتم تقديم صناع المحتوى الهابط وكأنهم مفكرون أو مبتكرون، يتحدثون عن “تجاربهم” التي لا تعدو كونها تفاهات يومية وأحاديث فارغة لا تبني وعياً ولا تحترم عقلاً.
الأكثر إثارة للقلق أن مقدم البرنامج نفسه يتعامل مع هذا النوع من الضيوف بنوع من الانبهار، وكأنه يساهم في “صناعة مجد إعلامي”، ويمنحهم شرعية لا يستحقونها لمجرد أن حساباتهم تسجل مشاهدات عالية من متابعين أغلبهم من السطحيين والباحثين عن الإثارة.
وتزداد المأساة حين تنحدر بعض البرامج إلى مستوى الشارع، وتُعرض لقاءات مع شخصيات مثيرة للجدل، تُطرح خلالها أسئلة تصل إلى الحضيض الفكري والأخلاقي، مثل: “هل تخاف من مرتك؟”،  « شنو اسم حبيبك او حبيتك ؟”، “شنو راح تسوي إذا عرفت مرتك انت متزوج ؟”،  « إذا واحد  تحارش بيج شنو تسوين «  وغيرها من الأسئلة التي تُكرّس ثقافة الابتذال والتسطيح والاستهزاء بالمجتمع، وتُنتج جيلاً يستهلك التفاهة كوجبة يومية. الخطير في الأمر أن هذه الشخصيات نفسها تُستدعى لاحقاً لتقديم برامج منوّعة وجولات إعلامية، في استهانة صريحة بمهنة الإعلام، وكأن الظهور بحد ذاته مؤهل كافٍ لتصبح مذيعاً أو مقدّماً، بصرف النظر عن الذوق، اللغة، الثقافة أو المسؤولية المهنية.
هذه الظاهرة لا يجب أن تُقابل بالصمت، لأن الإعلام حين ينحدر عن رسالته، يُصبح أداة لتخريب العقول لا تنويرها. إنكم اليوم، كمنصات إعلامية، متهمون أمام الرأي العام، وأمام الله، وأمام ضمائركم – إن بقي منها شيء – بأنكم تساهمون في نشر الفوضى المعرفية والابتذال، وتشاركون في تدمير وعي المجتمع لا بنائه. فإما أن تكونوا منابر للنور، أو شركاء في الانحدار.


تابعنا على
تصميم وتطوير