بن ماكوتش: كاتب وصحفي
يؤكد الخبراء أن إيران لا تستطيع شن هجوم على الأراضي الأمريكية، ولا ترغب في إثارة غضب ترامب.
مع اشتداد الحرب بين إيران وإسرائيل، وما رافقها من تلميحات حول احتمال تورط الجيش الأمريكي، بدأت أجهزة الأمن الأمريكية بالتحذير من تهديد وشيك يتمثل في «خلايا نائمة» مدعومة من طهران، والمعروفة بنشاطها داخل الولايات المتحدة، والتي يمكن استدعاؤها لشن هجمات انتقامية.
ولكن مع ضرب قاذفات بي-2 مواقع نووية في أنحاء إيران، وردّ الجيش الإيراني بوابل من الصواريخ على القواعد الأمريكية في المنطقة، تبلور وقف إطلاق النار. في النهاية، لم يبدُ أن الحرس الثوري الإسلامي - الفرع العسكري والاستخباراتي النخبوي في إيران، والذي يدير شبكة عالمية من الجماعات المسلحة وعملاء يعملون نيابة عنه - قد رعى أو نفذ أي عمليات سرية داخل الولايات المتحدة، ولم يفعل ذلك منذ ذلك الحين.
مع ذلك، أصدرت وزارة الأمن الداخلي نشرة تهديد مشددة، لأن «الصراع الإيراني المستمر يُسبب بيئة تهديد مشددة». وحذا مكتب التحقيقات الفيدرالي حذوها بتحذيراته الخاصة من الخلايا النائمة. استُخدم هذا النوع من المنطق سابقًا: أثناء غزو العراق وبعده، واصل الرئيس جورج دبليو بوش ربط النظام العراقي المنهار بـ»الخلايا النائمة» ورعاية الإرهاب ضد أهداف أمريكية.
في الماضي، أظهر الحرس الثوري الإيراني ووكلاؤه استعدادًا تامًا لتنفيذ مؤامرات إرهابية ضد الولايات المتحدة - كما حدث مع ناشط إيراني مقيم في بروكلين كان هدفًا لمحاولة اغتيال فاشلة عام ٢٠٢٣ - لكن فصل أحاديث «ماغا» -الامريكان الموالين لترامب- عن الواقع يطرح السؤال: ما مدى واقعية هذه الخلايا النائمة؟
اتُهم توم هومان، المسؤول عن أمن الحدود الأمريكية، بانتقاء التهديدات الأمنية القومية بما يتناسب مع صلاحياته. وأشار إلى أن الحدود الأمريكية شديدة الاختراق، لدرجة أن الإيرانيين استغلوا ذلك بالفعل.
قال هومان مؤخرًا لفوكس نيوز، واصفًا عملاء إيرانيين بالتهديد: «عندما كنتُ مساهمًا في فوكس نيوز، قلتُ إن أكبر مخاوفي هو أن الحدود المفتوحة تُسبب أكبر ثغرة أمنية وطنية شهدتها هذه البلاد على الإطلاق».
بالنسبة لشخصيات إدارة ترامب مثل هومان وجي دي فانس، اللذين حذرا من ضربة وشيكة تقريبا على الأميركيين، أصبح الإيرانيون بمثابة فزاعة مفيدة وهراوة للتأكيد على الخطر الأجنبي الذي يمكنهم استخدامه في حملات القمع المحلية.
يقول الخبراء إن تهديد الحرس الثوري الإيراني موثوق ومبالغ فيه. قال برودريك ماكدونالد، الزميل المشارك في برنامج الأبحاث بكلية كينجز لندن، والذي يدرس الصراعات في الشرق الأوسط: «بينما تُناقش هذه المسألة غالبًا بلغة مثيرة، فمن شبه المؤكد أن إيران تحتفظ بخلايا سرية صغيرة داخل الولايات المتحدة ودول أخرى». وأضاف: «لطالما استخدمت إيران ووكلاؤها، مثل حزب الله، خلايا سرية صغيرة على مدى عقود لتنفيذ عمليات اغتيال، واستهداف المعارضين، والتعاون مع شبكات إجرامية». حزب الله، الذي تراجعت قوته بشكل كبير منذ الغزو الإسرائيلي للبنان العام الماضي، عمل جنبًا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني لسنوات، بما في ذلك تقديم عملائه للعمل لصالح طهران.
وأضاف ماكدونالد: «هذه الخلايا النائمة تُعدّ رصيدًا قيّمًا لأي دولة لجمع معلومات المراقبة، وتنفيذ عمليات اغتيال مستهدفة، وتنفيذ ضربات استراتيجية على البنية التحتية العسكرية خلال الأزمات». منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حذّر المراقبون الجيوسياسيون من أن الصراع يُبشر بعهد جديد من التخريب والعمليات السرية بين الدول. كان من المتوقع أن تُصعّد إيران، المُتمرّسة أصلاً في هذا النوع من الأنشطة السرية، والمستعدة لدفع المال للمافيا الروسية لتنفيذ أوامرها، من وتيرة عملياتها الخارجية، حتى قبل الصراع الإسرائيلي.
في الوقت نفسه، أظهرت عمليات مثل هجوم أوكرانيا بطائرات مُسيّرة على المطارات الروسية، المُسمّى «شبكة العنكبوت»، ومهمة إسرائيل المُماثلة في طهران قبل قصفها للمدينة في وقت سابق من يونيو، تنامي شهية وكالات التجسس لتنفيذ أعمال عنف على أراضي أعدائها.
لكن ماكدونالد أوضح أن أي هجمات على الأراضي الأمريكية - وخاصةً مع رئاسة ترامب الجديدة المُستعدة للتصعيد وتنفيذ عمليات قتل غير مسبوقة - تُعدّ «خياراً مُؤقّتاً لأنظمة مثل إيران». بعبارة أخرى، فإن شنّ هجوم إرهابي على الولايات المتحدة يتطلب لحظة يأس وجودي حقيقي، وهو ما لا تجد إيران نفسها فيه حالياً. قال ماكدونالد: «إن إعلان إيران عن ضرباتها الانتقامية على قواعد أمريكية في قطر والعراق يشير إلى أنها كانت تسعى إلى تخفيف حدة التوترات مع الولايات المتحدة بدلاً من تأجيجها». وأضاف: «في حين استخدمت بعض وسائل الإعلام والشخصيات الإلكترونية لغةً مثيرةً للإثارة لوصف ما يُسمى بالخلايا النائمة واحتمالية تحريكها، فإن الخلايا السرية الصغيرة تُشكل تهديدات خطيرة للأمن القومي، ونحن لسنا مستعدين لها إلا جزئيًا».
على سبيل المثال، ألقت تقارير حديثة، تحمل طابع «الحرب على الإرهاب»، من قناة فوكس نيوز، وهي مؤسسة إعلامية ذات ارتباطات عامة بالبيت الأبيض، باللوم على إدارة بايدن للسماح لأكثر من 700 إيراني بدخول البلاد، مشيرةً إلى أنه «من غير الواضح» عدد هؤلاء الأشخاص المدرجين على قائمة مراقبة الإرهاب.
وأكدت مصادر لصحيفة الغارديان أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قلق بالفعل من التسلل الإيراني داخل الولايات المتحدة. ومن التهديدات تحديدًا، استخدام طائرات مسيرة انتحارية من منظور الشخص الأول ضد مواطنين أمريكيين أو أهداف رئيسية، والذي يكاد يكون من المستحيل التصدي له، وقد شاع استخدامه في أوكرانيا بفضل سهولة استخدامه.
قال كولين كلارك، مدير الأبحاث في مركز صوفان: «ما زلت مندهشًا من عدم رؤيتنا المزيد من هجمات الطائرات بدون طيار، ولكن هذا احتمال وارد جدًا»، مشيرًا إلى الهجمات السابقة التي رعتها إيران في الأرجنتين وبلغاريا والمملكة العربية السعودية - وهي دليلٌ كافٍ على استعدادها لضرب أعدائها باستخدام وسائل غير متكافئة. ومن المعروف أيضًا أن إيران رعت جزءًا كبيرًا من التمرد ضد القوات الأمريكية في العراق، بل ووصلت إلى تصنيع القنابل المزروعة على جوانب الطرق التي أصبحت بمثابة بلاء على الجنود الأمريكيين هناك.
ولكن، وفقًا لكلارك، فبينما تُعدّ إيران عدوًا قويًا ونشطًا للدول الغربية، فإن ضعفها الحالي قد يعني أيضًا أنها أقل عرضة لإثارة غضب الولايات المتحدة وقوة نيران البنتاغون. وقال في رسالة بريد إلكتروني: «أعتقد أن خطر الخلايا النائمة في الولايات المتحدة حقيقي، ولكن الآن وبعد سريان وقف إطلاق النار، من غير المرجح أن ترغب إيران في أن تكون لها بصماتها على أي تخطيط هجومي يمكن تتبعه». لكن في أعقاب الحرب التي اندلعت قبل أسبوعين مباشرةً، وحتى قبل تدخّل الولايات المتحدة، كانت هناك مخاوف ملموسة من هجوم إرهابي محتمل على الأراضي الأمريكية من قِبل شبكة وكلاء إيران.
وأشار كلارك إلى أن الضربات الأمريكية الإسرائيلية الأخيرة على طهران من المرجح أن «تؤجج المزيد من الغضب» في ظلّ مناخ من التطرف السياسي، الذي أدّى إلى عمليات قتل مؤخرًا.
وقال: «منذ هجمات 7 أكتوبر والحرب الدائرة في غزة، شهدت الدول الغربية تصاعدًا في كلٍّ من معاداة السامية والهجمات المعادية للإسلام، وجرائم الكراهية، وغيرها من أحداث العنف».