تصاعدت في المدّة الأخيرة وتيرة الجدل حول «الحقّ» في حيازة السلاح النوري ، واحتدّ هذا الجدل بمناسبة الحرب بين إيران والكيان الصهيوني ، الذي يرفض جملة وتفصيلا البرنامج النووي الإيراني ويعتبره «تهديدا وجوديا» لوجوده ، وقد ساندت دول غربية عدّة هذا التوجّه الصهيوني رغم تعارضه مع القانون الدولي ، وعلى رأس هذه الدول ، الولايات المتّحدة الأمريكية التي تدخّلت مباشرة في الحرب وقصفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية ، ما أدّى بحسب الخبراء والملاحظين إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني بشكل جدّي ، وفرض فيما يبدو وقف إطلاق النار بين الطرفين الإيراني والصهيوني . وتُعتبر المسألة النووية من أهمّ مشاغل المجموعة الدولية وذلك للطابع المدمّر لهذا السلاح الفتّاك الذي عانت ويلاته وتبعاته مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية . وإنّ قصف الولايات المتّحدة المدينتين اليابانيتين بالنووي حسم مصير الحرب لفائدة الولايات المتّحدة ولكنّه فتح الباب مشرعا لسباق الدول الكبرى نحو التسلّح النووي ، وسرعان ما أعلنت كلّ من الإتحاد السوفييتي حينها وبريطانيا وفرنسا والصين لاحقا تمكّنها من حيازة السلاح النووي ، وهي الدول التي شكّلت كما هو واضح التحالف الرابح في الحرب العالمية الثانية . وتحت شعار درء مخاطر السلاح النووي تمّ سنة 1968 توقيع معاهدة الحدّ من إنتشار السلاح النووي ودخلت حيز التنفيذ في 1970 ، وقد صادقت عليها وعلى باقي الإتفاقيات ذات الصلة 191 دولة فيما ترفض التوقيع عليها 3 دول هي الهند وباكستان والكيان الصهيوني إضافة إلى جنوب السودان الذي لم ينضمّ بعدُ إلى المعاهدة ، وكوريا الشمالية التي وقّعت على المعاهدة ولكنّها إنسحبت منها لاحقا . وتعترف المعاهدة بحيازة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن للسلاح النووي , وأكّدت في المقابل ثلاث دول أخرى حيازتها للأسلحة النووية وهي الهند وباكستان وكوريا الشمالية ينما «تتعمّد دولة الإحتلال الغموض بما يخص برنامجها النووي» . ولا يُعرف أنّ المجموعة الدولية والغرب الليبرالي مارسوا أيّ ضغط على الكيان الصهيوني من أجل حمله على إيقاف برنامجه النووي والإلتزام بمقتضيات المعادة الدولية لمنع إنتشار السلاح النووي رغم ما يمثّل هذا البرنامج من خطر محدق وداهم على منطقة الشرق الأوسط ، وهو ما يدفع إلى القول بأنّ وقف إطلاق النار بين إيران والكيان الصهيونى يكتسي طابعا وقتيا لأنّه لن يوقف رغبة إيران في تملّك النووي ولأنّه لا يقضي بالخصوص على جوهر النزاع في منطقة الشرق الأوسط . وجوهر النزاع في الشرق الأوسط هو إصرار دولة الإحتلال على مواصلة إغتصاب الأراضي الفلسطينية بالقوّة ومواصلتها ضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية في الموضوع وكذلك عدم الامتثال لإرادة المجموعة الدولية بمنع إنتشار السلاح النووي . ويمثّل تحصين الكيان الصهيوني ضدّ كلّ نقد ومؤاخذة ومحاسبة هو الذي فتح ويفتح الباب أمام الدول من أجل البحث عن تحقيق الحدّ الأقصى من لحماية مصالحها من خلال تملّك السلاح النووي . وسواء تعلّق الأمر بإيران أو بغيرها من الدول ، فإنّ إستمرار دولة الإحتلال في إنتهاك القانون والشرعية الدولييْن هو الذي فتح باب المزايدة والسباق المحموم نحو التسلّح النووي وهو أمر ترفضه دول المنطقة التي تطالب بشرق أوسط خاليا من هذا السلاح المدمّر . وفي غياب لَجْمِ الكيان الصهيوني ، لا يمكن التوجّه باللوم إلى هذه الدول التي تسعى لتأمين مصالحها وتحقيق الأمن الدائم لشعوبها .