رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ورقة الضغط الصامتة في صراع الشرق الأوسط


المشاهدات 1264
تاريخ الإضافة 2025/06/28 - 10:37 PM
آخر تحديث 2025/07/01 - 6:40 AM

في خضم التصعيد المتسارع في الشرق الأوسط، تبرز “قاعدة إنجرليك الجوية” جنوب تركيا كإحدى أهم الأوراق الاستراتيجية في يد الولايات المتحدة. فبينما تنشغل الأنظار بالضربات المتبادلة والحرب الإيرانية – الإسرائيلية، تبقى إنجرليك نقطة ارتكاز هادئة لكن فعّالة في أي سيناريو ضغط أو تدخل عسكري محتمل.
القاعدة التي تقع تحت السيادة التركية ولكن تُستخدم من قبل قوات أميركية وأطلسية بموجب اتفاقات ثنائية، تُمثّل عمقاً لوجستيًا حساسًا. واشنطن، رغم تضارب المصالح مؤخرًا مع أنقرة، لا تزال تعتبرها منصة حيوية لأي تحرك إقليمي، خصوصًا في اتجاه سوريا أو إيران. 
ورغم أن تركيا تُبدي دعمًا لفظيًا لإيران وتدين التصعيد ضدها، فإنّها تدرك أنها “قد تكون التالية” في الاستهداف الغربي، إذا ما استمرت في توسيع استقلالها الجيوسياسي وتوازناتها مع موسكو وطهران. هذا يدفعها إلى المراوغة الدقيقة: التمسك بالتحالفات دون التخلي عن أوراقها الداخلية.
في هذا السياق، “تصبح إنجرليك أداة ضغط مزدوجة”: أميركا قد تستخدمها كورقة تهديد في مواجهة إيران، بينما أنقرة قد تلوّح بها لضبط إيقاع التصعيد، والتفاوض على موقعها في الخارطة الجديدة. ففي لعبة الشطرنج الجيوسياسية، لا تُحرّك البيادق وحدها، بل القواعد أيضًا.
وبين ضغوط التحالف الغربي وعلاقاتها الاستراتيجية مع طهران، تقف تركيا في موقع حساس من الصراع الإيراني–الإسرائيلي. 
تُدرك أنقرة أن أي تفكك لمحور المقاومة أو إضعاف لإيران سيعيد توجيه البوصلة نحوها، خاصة مع تصاعد القلق الغربي من طموحاتها الإقليمية واستقلال قرارها الأمني. لهذا، فإن تركيا تمارس توازنًا دقيقًا: تعارض الضربات ضد إيران علنًا، بينما تحافظ على خطوط تواصل فعّالة مع واشنطن وتل أبيب خلف الكواليس.
هواجس أنقرة لا تتعلق فقط بانهيار إيران كجدار صد أمام النفوذ الإسرائيلي، بل أيضًا باحتمال أن تتحوّل هي نفسها إلى “الهدف التالي” في حال نجحت واشنطن في إعادة ترتيب الإقليم بالكامل. ولذلك، فإن السياسة التركية تقوم حالياً على امتصاص الصدمة، وتحويل الحرب إلى فرصة لإعادة ضبط تموضعها بين القوى الكبرى دون أن تخسر أوراقها في الداخل أو الخارج.
من جهة أخرى، تدرك أنقرة أن أي انفجار واسع في الإقليم ستكون له ارتدادات داخلية يصعب احتواؤها، سواء على صعيد الاقتصاد المتأثر أصلًا بضعف الليرة وتضخم الأسعار، أو على صعيد الأمن القومي، مع تصاعد احتمالات تسلل التوترات الطائفية والعرقية إلى الداخل التركي. كما أن موقع تركيا الجغرافي، كحلقة وصل بين الشرق والغرب، يجعلها ممرًا محتملاً لأي تصعيد عسكري أو موجات نزوح من إيران أو شمال العراق، ما يضع مزيدًا من الضغط على مؤسساتها.
إلى جانب ذلك، تبقى “قاعدة إنجرليك” أداة ضغط مزدوجة: فهي من جهة تمثل نقطة انطلاق استراتيجية للقوات الأميركية في حال قررت توسيع الهجمات أو توجيه ضربات دقيقة ضد مواقع إيرانية، ومن جهة أخرى تشكل ورقة تهديد بيد أنقرة، يمكن استخدامها كورقة مساومة في وجه واشنطن والناتو، خاصة إذا حاول الغرب تجاوز الدور التركي في إعادة رسم التوازنات الإقليمية.
لذا، لا تسعى تركيا إلى الانخراط المباشر في الحرب، لكنها تراقب بقلق بالغ التطورات، وتتجهز بخيارات مزدوجة: دعم غير مباشر لإيران لمنع انهيارها، وفي الوقت ذاته، تنسيق محسوب مع الغرب لاحتواء الخسائر وحماية مصالحها الاستراتيجية. إنها سياسة “الخط الرمادي” التي اعتادت أنقرة اتباعها في لحظات التحوّل الكبرى.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير