رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الأرستقراطية المعلوماتية والطبقية الرقمية


المشاهدات 1638
تاريخ الإضافة 2025/06/22 - 10:39 PM
آخر تحديث 2025/06/28 - 2:38 AM

رغم اهمية الذكاء الإصطناعي الإيجابية لكنه في المقابل وفرّ جوا اشكاليا مليئا بالتعقيدات،  وضمن هذا الجو يمكننا استنتاج إشكالية مجتمعية تعلن عن ارستقراطية جديدة وسأسميها بالأرستقراطية النخبوية وهي تستند إلى النخبة المُصَنعة للبضاعة الرقمية، تلك التي تروج للأسواق التجارية الذكية لانهائية التحديث .. وبأسعار مرتفعة تجعل روادها الدائمين هم المقتدرين على الشراء ، وهذا سيُشَيد فجوة بين من يستطيع الدخول إلى دائرة الذكاء (الذكاء الإصطناعي) بالفعل وبالقوة، وبين من لا يستطيعون ذلك ممن سيبقون خارج دائرة الذكاء المُصَنع، عالقين في الغباء ما قبل الرقمي وفق تصنيف الذكاء الإصطناعي.. ولكن هل فعلا هذا غباء وذاك ذكاء؟
ما سبق من كلام اعلن عن ثلاث طبقات مجتمعية : (طبقة النخبة) وهي الطبقة الارستقراطية التي ابتكرت الذكاء الإصطناعي ولا تزال تطور أدواته واهدافه ذاهبةً به نحو اللانهاية، هذه الطبقة بمشروعها الرقمي خلقت طبقتين آخرتين:
الأولى تعيش رفاهية وتسهيلات طبقة النخبة وتغرَق في غزارة معلوماتياتها وتفكيرها الرقمي،  وممكن تسميتها بـ (الطبقة الرقمية)، 
والثانية هي طبقة المهمشين المبعدين اجتماعيا ورقميا (أي الذين بدون إنترنيت واجهزة رقمية) كالفقراء إلى جانب الذين جُهِلّوا بالقوة بسبب الحروب، وهذه سأسميها (الطبقة اللا رقمية)، (وقد لا نبالغ إذا قلنا هي عملية إقصاء مقصودة لهؤلاء عن المشاركة بالقرار المعرفي) وتشمل هذه الطبقة ايضا رافضي التقدم الرقمي بإرادتهم لقناعات شخصية، جميع هؤلاء بالطبع سوف لن يكونوا مشاركين في اللعبة الرقمية.. وهكذا ستكون طبقة النخبة قد ساهمت في خلق طبقية مجتمعية ممثلة بالطبقتين الرقمية واللا رقمية، ولن نكون مبالغين إذا قلنا إنها سوف لن تكون مسؤولة عن ما سيترتب عليهما من أخطار. وترجمة هذا يحتاج إلى تأشير بعض الفوارق بين الطبقتين الجديدتين أي من الفجوة بين الرقمي واللا رقمي،  بين من سيهدر وعيه وبين من سيبقي على وعيه العفوي: في مقال سابق تحدثت عن دور الذكاء الإصطناعي (ولاسيما تقنيات كالـ GPT) في موت الباحث الأكاديمي بتسطيحه لوعيه وإرخائه لذاكرته بسبب النصوص المنطقية الجاهزة التي يوفرها التطبيق والتي ستؤدي في النهاية إلى قتل كل ما يتعلق بإنعاش الوعي من نقد وتحليل وعمق وتأمل..الخ.. مالم تتخذ إجراءات وحلول سريعة (ذكَرتها في المقال)للسيطرة على الأضرار والمخاطر المترتبة على ذلك، وإلا فإن هذا الباحث سيختصر التفكير بالدردشة.. والباحث الاكاديمي هو من ضمن الطبقة الرقمية، وهي الطبقة التي لا تستطيع العيش بدون الأجهزة الرقمية وارتياد اسواقها التجارية والتي من المرجح أنها ستصاب بآفة الرقمنة واعني بها تآكل الوعي فضلا عن إن هذه الآفة ستصيب الجسد ايضا،  فالطبقة الرقمية والتي تشكل الطبقة العليا مجتمعيا من المرفهين بالرقمنة والمنغمسين بالمعلوماتية ستعاني الخطر الأكبر لأن ما يضمره مفهوم الذكاء الإصطناعي من عوامل نفسية إندفاعية، وما يرَوَج له من اهمية التعايش رقميا مع الآلات الذكية، فضلا عن استمرار التحديثات وجدّة الانتاج إن هي إلا اغراءات جاذبة، وعملية ممنهجة خفية لتسرب الوعي بعيدا عن وظيفته الطبيعية، ولما كان الجسد والدماغ شريكين في التفكير فسيكون من الصادم أن لا يكون الوعي وحده المقصود بالضمور بل الجسد ايضا، فالجسد الذي يقوى بحركته، سينجذب إلى السكون الرقمي، وهذا سيفَرغه من طاقته وقوته، ليعلن عن كينونة  متحولة إلى مشروع (بالمعنى الهايدجري) دردشي رقمي سطحي غير نقدي ضعيف واهٍ خامل. أما الطبقة اللارقمية وكونها ممن لا يمتلك الاجهزة الذكية والرقمية فهي وعلى الرغم من أنها قد أُقصيَت بشكل تدريجي وممنهج عن الرقمنة، لكنها ستبقى محتفظة بكينونتها الواعية العميقة وجسدها النشط القوي، وربما ستكون هي الأمل في قيادة الارض بعد تسرب الوعي من الطبقة الرقمية. لكن في سيناريو قد يصح بنسبة ما وهو أن طبقة النخبة.
 ربما ستجعل من هذه الطبقة أي اللا رقمية ورغم كل جدارتها ستجعلها خارج التاريخ ايضا مثل الطبقة الرقمية، لأن طبقة النخبة، (الرأسمالية المعلوماتية)، التي تقود الحاضر وتملك المستقبل، لطالما اعلنت عن طموحها بإيجاد مكان للعيش في مكان ما في الفضاء بعيدا عن الارض، .. 
وإذا نفذت هذا المشروع حرفيا ستكون الارض حينها مكانا من الماضي تسكنه طبقتا البشر الرقمية المغَيَّبة واللا رقمية المُجَهَّلة، الطبقتان اللتان لا تتماشيان مع الكائن الرقمي النخبوي الذي هدفه خلق اجيال نخبوية في مكان بعيد عن الارض على الأغلب.


تابعنا على
تصميم وتطوير