نهاية التاريخ لا تعني توقف الأحداث أو العَالَم عن الوجود، ولا تقترح تلقائية تبني كل مجتمعات العالم للديمقراطية، المقصود وجود إجماع عند معظم الناس بصلاحية وشرعية الديمقراطية الليبرالية، أي انتصارها على صعيد الأفكار والمبادئ، لعدم وجود بديل يستطيع تحقيق نتائج أفضل. وعلى المدى البعيد، سوف تغلب هذه المبادئ وهناك أسبابٌ للإيمان بذلك.
«إن فكرة كمال التاريخ في عودة الالتحام بين المفهوم (المساواة والعدالة والسعادة) والخطاب: (النظام السياسي الاقتصادي) وعلى النطاق العالمي (عبر الحكومة الشمولية المنسجمة).
هذه الفكرة التي قد يمكن تقبلها من داخل المنطق الهيغلي وتطوره؛ لكنها تظل شعاراً معلقاً فوق الحدث.
وقد تتضمن تماسكها المنطقي ذاتياً، لكن المشكلة تبقى في هذه النقلة الهائلة غير المبررة بين مستواها المفهومي، وشكل تحققها عبر التاريخ اليومي.
إن كل الجهد الذي يحاول فوكوياما أن يستخدمه إنما ينصب في هذه النقطة، وهو جعل التاريخ ينتهي عند أميــركا.
وهنا يظهر (الفخ الايديولوجي) الذي ينصبه فوكوياما لقرائه. فهو لا يناقش أبداً هذه النقلة، بالرغم من كونها هي حجر الزاوية في كتابه.
فبدلاً من أن يقدم لنا البرهنة التي تقنعنا حقاً أن نهاية التاريخ هي الحقيقة الأمــيركية المعروضة أمام العالم أجمع اليوم، فإنه أغرقنا في مقدمات نظرية حول أحد محاور النقاش الأبدي فيما يتعلق بسؤال عن طبيعة الإنسان، وطبيعة التاريخ.
وقد عالج السؤالين بغير أدوات التناول والتحليل الفلسفية، فالقارئ الذي يشعر بالخديعة، ويرفض الفخ الفاغر فاه أمامه، يظل يسأل نفسه : حسناً قد أوافقك يا فوكوياما على كل العروض حول الأفلاطونية والهيغلية، وصولاً إلى الأقسام الأخيرة في كتابك، حيث تتناول الاستراتيجيين السياسيين من أمثال كيسنجر وسواه من كتاب التقارير السياسية الحكومية؛ إلا أن كل هذا المحصول النظري الكبير لا يعني أنه متوفر بمقدماته ونتائجه ليخدم النقلة المعرفية المطلوبة من متونها الأصلية، إلى موضوعة نهاية التاريخ، ولا إلى تطابق هذه النهاية مع النظام الراهن.
قد يمكن مسايرة هذه العروض والانسياق فيهما تحاول أن تقدمه من نظرات حول التطور السياسي والاجتماعي ضمن هذه المروحة الواسعة التي تضم الفلاسفة والاجتماعيين والاقتصاديين المعروفين. لكن كل هذا الحشد من الآراء لا يمكنه أن يدخل ضمن البرهنة المنشودة على أطروحة الكتاب الأصلية».