رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
كيف يواجه المواطن غلاء الأسعار؟


المشاهدات 1105
تاريخ الإضافة 2025/06/21 - 10:31 PM
آخر تحديث 2025/06/22 - 3:37 PM

 في زقاق شعبي داخل العاصمة بغداد وبجوار أحد محال بيع الخضار، كان يقف رجل خمسيني يساوم البائع على كيلو طماطم لم يكن المشهد استثنائيًا لكنه بات يعكس واقعًا متكررًا في حياة المواطن العراقي كل دينار يُحسب وكل سلعة تُفكَّر مرتين قبل شرائها، تغيرت علاقة الناس بالأسواق ولم يعد الذهاب للتبضع فعلًا اعتياديًا بل بات معركة صغيرة يومية يخوضها الفرد ضد الغلاء.الأسعار ترتفع بصمت أحيانًا بشكل تدريجي لا يشعر به المواطن مباشرة وأحيانًا بشكل صادم كارتفاع سعر زيت الطعام أو حليب الأطفال فجأة لا وجود لقائمة أسعار واضحة والسوق يبدو بلا بوصلات في بعض المحال تسأل عن سعر منتج معين فيجيبوك بسعر وتذهب إلى محل آخر فتجد فرقًا كبيرًا، الغلاء لم يعد مرتبطًا بالعملة أو السوق العالمي فقط بل دخلت فيه مضاربات بين التجار وأحيانًا استغلال لحاجة الناس.
أم ليث ربة بيت وأم لأربعة أطفال، تقول إن «مصروف بيتها اليومي تضاعف خلال عامين لم تعد قادرة على شراء بعض الأصناف التي كانت تعدها أساسية تستغني أحيانًا عن الفواكه وتقلل من اللحوم، وتحاول تدوير الأطباق في الأسبوع لتقليل الكلفة، تؤكد أن الحياة أصبحت أشبه بـ «فن الترتيب تحت الضغط»، حيث تدير كل ما في البيت بحذر حتى لا تنكسر الموازنة».
وفي الأحياء السكنية الأكثر فقرًا، يتحدث الناس عن الديون، بصراحة هناك من يشتري الخبز بالدين، وآخر يستلف أجور المدرسة أو الغاز لم تعد هذه الأحاديث تثير استغرابًا بل أصبحت جزءًا من الحياة اليومية بل إن بعض المحال الصغيرة تحتفظ بدفاتر طويلة بأسماء الزبائن الذين يشترون بالتقسيط، أبو كرار صاحب بقالة في حي الشعب يقول: «الناس تغيّرت أكثر من 40% من زبائني يشترون بالدين.ويضيف أبو كرار: «سوق العمل أيضًا لم يعد يوفر الأمان المطلوب كثير من الموظفين الحكوميين باتوا يمارسون أعمالًا إضافية ترى أحدهم موظفًا في دائرة صباحًا وسائق تكسي أو عامل توصيل مساءً العمل الإضافي لم يعد خيارًا لتحسين الدخل بل ضرورة للبقاء، أما العاملون في القطاع الخاص، فإن قصصهم أكثر قسوة فالأجور متدنية والضمانات معدومة والإقالة قد تحدث فجأة دون أي تعويض». وفق تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء في العراق لعام 2024، فإن أكثر من 31% من العائلات العراقية تعتمد على مصدرين أو أكثر من الدخل لتغطية نفقاتها، فيما كشف تقرير من وزارة التخطيط أن أكثر من 27% من السكان يعيشون تحت خط الفقر خاصة في المحافظات الجنوبية التي تعاني من ضعف الخدمات وفرص العمل. الدكتور أحمد الربيعي أستاذ الاقتصاد في الجامعة المستنصرية يرى أن المشكلة أعمق من مجرد ارتفاع أسعار يقول: «ما نشهده اليوم هو تآكل ممنهج في الطبقة الوسطى وفقدان ثقة الناس بأي أفق اقتصادي، غياب السياسات الضريبية العادلة وضعف الرقابة على الأسواق وعشوائية الاستيراد كل ذلك يخلق بيئة طاردة للعدالة الاجتماعية ويعمّق من معاناة المواطن». ويتابع ان «الطبقة الوسطى التي كانت تمثل العازف المتزن في سمفونية المجتمع تآكلت بهدوء ولم تعد قادرة على الحفاظ على مستوى الحياة الذي اعتادت عليه أبناء هذه الطبقة أصبحوا يقلقون من المرض لأن الطب الخاص مكلف ومن التعليم لأن المدارس الأهلية تستنزف ومن المستقبل لأن الادخار لم يعد ممكنًا لا رفاهية لا خطط طويلة فقط محاولات يائسة لعبور الشهر دون ديون إضافية». ولكن رغم هذا كله في المقابل ما زال العراقيون يتمسكون بأمل خافت يبحثون عن حلول صغيرة، يتبادلون النصائح حول الأسواق الأرخص يشتركون في مجاميع تلغرام لمعرفة العروض ويوجهون أبناءهم نحو الأعمال الحرة لعلها تكون مخرجًا هم لا ينتظرون معجزة فقط يريدون اقتصادًا يشعر بهم وقرارات تُتخذ من أجلهم، لا من فوق رؤوسهم.


تابعنا على
تصميم وتطوير