في الوقت الذي تتجه فيه الدول نحو الطاقات النظيفة والمتجددة، ويُصبح ملف الطاقة هو قلب التنمية المستدامة، لا يزال العراق يتعثر في الخطوة الأولى، بلد يطفو على بحر من النفط، ويحرق يوميًا كميات مهولة من الغاز المصاحب، لكنه يعاني من عجز كهربائي يطيح بكل طموح تنموي، فما من تعليم مستقر، ولا صحة، ولا إنتاج اقتصادي حقيقي دون منظومة طاقة فاعلة، وإذا كانت أهداف التنمية المستدامة تدعو إلى ضمان الطاقة النظيفة والحديثة للجميع بحلول عام 2030، فإن العراق لا يزال حتى اليوم يُراوح في دائرة الاستيراد، والحلول الترقيعية، وانهيار الشبكات الوطنية. في بلد مثل العراق، لا يزال أكثر من 40% من حاجته للطاقة الكهربائية يعتمد على الاستيراد من دول الجوا، المفارقة هنا ليست في الاستيراد فقط، بل في أن محطاتنا الكهربائية تعتمد أصلاً على الغاز المستورد، رغم أننا نحرق يوميًا كميات هائلة من الغاز المصاحب لا نستفيد منها! والسؤال الذي يطرحه المواطن البسيط قبل المختص: لماذا لا نمتلك حتى الآن منظومة طاقة مستدامة، رغم الميزانيات والانفجارات السكانية، والتغير المناخي الذي يضغط علينا أكثر فأكثر؟
الجواب ببساطة؛ لأن السياسة سبقت التخطيط، والمصالح تغلبت على الكفاءة، ملفات الطاقة تُدار بعقلية المقاولات لا التنمية، وتُفتح فقط موسمياً، حين ترتفع درجات الحرارة أو تقرع أبواب الانتخابات.
ومع ذلك، لا يمكننا أن نغرق في السواد فقد بدأت تظهر بوادر أمل:
1- هناك مشاريع للطاقة الشمسية بدأ تنفيذ بعضها في محافظات مثل المثنى والنجف والأنبار.
2- وبدأت الجامعات ومراكز البحوث تطرح حلولًا تقنية وعملية لكفاءة الطاقة واستخدام الموارد المحلية.
3- حتى في الشارع، بدأ المواطن العراقي يُفكر جديًا في البدائل: منظومات الطاقة الشمسية المنزلية، أنظمة الإضاءة الموفّرة، وتحسين العزل الحراري. لكن هذه المبادرات الفردية والمشاريع التجريبية لن تصنع الفرق وحدها ما لم تتبناها الحكومة ضمن رؤية وطنية حقيقية، تجعل من ملف الطاقة أولوية سيادية، لا مجرد مشكلة خدمية. إذا أردنا تنمية مستدامة حقيقية، يجب أن نبدأ من جوهر البنية التحتية، فلا استثمار ولا صحة ولا تعليم ولا بيئة ولا أمن، دون كهرباء مستقرّة ونظام طاقة عصري وعادل لن نخرج من هذه الأزمة ما لم نتوقف عن رفع الشعارات، ونبدأ بصناعة السياسات،
وما لم تتحول “أزمة الطاقة” من حديث دائم في المقاهي والمواقع… إلى قرار حاسم في مراكز صنع القرار وما لم تتحول “أزمة الطاقة” من حديث دائم في المقاهي والمواقع… إلى قرار حاسم في مراكز صنع القرار الطاقة ليست رفاهية، بل حقّ… ومفتاح لكل تنمية مستدامة نأملها
فهل نمتلك الشجاعة لنضيء الطريق؟