ليس مطلوباً منك أن تنهال بالشتائم في جميع الاتجاهات، وتلعن على أعلى المستويات، ترعد وتزبد، ويكون لسانك طويلاً في كل برنامج تلفزيوني، لكي تثبت للناس انك الصحيح وأنهم الخطأ.
هذه الطريقة عدوانية واستعراضية وهمجية ومرضية من الأمراض السارية والمعدية في هذه الأيام، يجب على المصابين بها أن يراجعوا أقرب مستشفى للأمراض العقلية والنفسية!.
ولعن الله السياسة فإن أصحابها كما وصفهم أبو العلاء:
يسوسونَ الأمـورَ بغيـرِ عقلٍ
وينفذُ أمرُهم فيُقال: ساسة!.
وكان الشيخ محمد عبده يقول: «لعن الله ساسَ ويسوسُ وسائسَ ومسوسَ وجميع مشتقات السياسة». والمعلم الأول أرسطو هو القائل: «الإنسان حيوان سياسي».. ربما كان يقصد «محلل سياسي»!.
والبلاد الوحيدة التي لا تخضع إلى قواعد التحليل السياسي، ولا يعرف حتى قارئو الغيب، وضاربو الرمل، وآخذو الفال، والمنجّمون، ماذا سيحدث فيها بعد يوم هي بلادنا.. لكنك تجد ثلاثة أرباع المحللين السياسيين في العالم في بلادنا!.
وفي هذه الأيام التي لا يعرف فيها المرء يضحك أم يبكي لن تجد أسهل من العثور على وظيفة بعنوان «سياسي» في زمن لا يلتقي فيه عراقيان في مقهى، أو في شارع، أو في باص إلا ويتكلمان سياسة!.
وإذا كانت السياسة تعني «لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة» فإن الحكمة القديمة تقول: اللهم احمني من أصدقائي. أمَّا أعدائي فأنا كفيلٌ بهم!.
ولم تدخل السياسة في شيء إلا أفسدته. والسياسي متقلّب بامتياز. فالغايات عنده تبرّر الوسائل كما سبقه أستاذه مكيافيللي.. وفي بلدان العالم يدرسون مناهج مستقلة عن «إدارة الأزمات» و«حل الأزمات» وفي بلدنا ساسة يصنعون الأزمات!.
وإذا كان رجال الدولة يفكرون دائماً في مستقبل أوطانهم، فإن رجال السياسة لا يذهب تفكيرهم أبعد من جمع الأصوات والفوز في الانتخابات!.
وعندما اشترط أستاذنا افلاطون في «جمهوريته» على السياسي أن يكون صادقاً غير كاذب، لا يملك مالاً ولا عقاراً ولا ديناراً، فإنه لم يعش في عصرنا ليرى كيف أصبح أهل المال هم أهل السياسة حتى يصحُّ في وصفهم قول المعري:
ساسَ الأنـامَ شياطيـنٌ مسلّطـةٌ
في كلّ أرضٍ من الوالينَ شيطانُ!.
لهذه الأسباب أقول لك: أنا لا أكتب في السياسة!.