رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
تجليات الحلم في حكايات شيوخ العرب


المشاهدات 1667
تاريخ الإضافة 2025/06/16 - 10:40 PM
آخر تحديث 2025/06/22 - 3:30 PM

 في عمق الصحراء وبين أنين الريح ورائحة الهيل ، تنمو الحكايات كما تنمو النخلة في تربة السنين، وتظلّ ذاكرة العراقي مشبعةً بندى القصص التي تُروى عند شيوخ العرب، أولئك الذين كانوا ليسوا فقط حكّام عشائر أو قادة قبائل، بل رموزًا للحكمة، ومرآةً لحلم الإنسان العربي في العدالة والكرم والنبالة.
في تلك البيئات التي يُعرف فيها الرجل لا بكثرة ماله بل بكثرة عطائه، كان شيخ القبيلة هو الملاذ، والمُستشار، والقاضي، والشاعر أحيانًا. وتُروى عن هؤلاء الشيوخ قصصٌ كثيرة، بعضها يبدو أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع، لكنها في حقيقتها تحمل جوهر ما تمنّاه الناس من عدلٍ ورحمةٍ وذكاء إنسانيٍ خالص. ومن بين أبرز هذه القصص، تبرز حكايات تُظهر البديهة النادرة والذكاء الفطري لشيخ القبيلة، خاصة في معرفته بحاجات الضيف دون أن ينطق بها. فيقال إن الضيف ما إن يحلّ على مضيفه، حتى يعرف الشيخ ما به من همّ أو حاجة، كأن بينهما لغة صامتة لا يلتقطها إلا من تربّى على السجية، وعلى فطنة البادية. لا يسأل الشيخ ضيفه عن سبب قدومه مباشرةً، احترامًا لمقام الضيافة، بل يبدأ بالسؤال عن الطريق، وعن الغبار، وعن الإبل، ثم يأتيه بـ فنجان الهيبة  كمن يفتح باب الحديث ويهيّئ النفس للبوح. وفي لحظة صفاء، وربما بين رشفتين من القهوة، يلتقط الشيخ ما خفي، ويقضي الحاجة قبل أن تُطلب. هذه القدرة لم تكن مجرد موهبة، بل هي تراكم طويل من الملاحظة، والتجربة، ومعرفة الناس، وحفظ العرف، وتقدير الكرامة. فشيخ القبيلة لم يكن يحكم بالقوة، بل بالحلم، وكان يعرف أن كسب القلوب أبلغ من فرض الطاعة. وقد صاغ العراقيون عبر أجيالهم المتعاقبة هذه الصفات في صورة الشّيخ المثالي، الذي يجمع بين الهيبة والتواضع، بين الحزم والرحمة، بين القول الفصل والابتسامة الرقيقة. في هذه الصورة، يُستعاد الحلم العربي النبيل، وتُبنى في المخيلة الشعبية نماذج من القادة الحقيقيين الذين وُجدوا لا ليأمروا، بل ليخدموا، ويحفظوا الأمن المعنوي قبل الأمن المادي. اليوم، في ظل التغيّرات السريعة وتآكل الموروث، تبدو هذه الحكايات وكأنها من زمنٍ بعيد، لكنها لا تزال تعيش في وجدان الكثير من العراقيين، تُروى في المجالس، وتُسقط رمزيًّا على الواقع، بحثًا عن حكمةٍ ضائعة أو حلمٍ مؤجل.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير