دبي/ الزوراء/ ظافر جلود
اختارت مؤسسة العويس بن علي الثقافية بدبي الصحفية والروائية العراقية إنعام كجه كجي، ومنحتها جائزة القصة والرواية والمسرحية لدورتها 2023- 2024، لما تميزت به كتابتها الأدبية من قدرة على المزج بين الجانبين التوثيق والأدبـي. فقد برزت اعمال الزميلة الصحفية انعام التي استحقت الجائزة بجدارة لتكون بذلك اول اديبة عراقية تنال هذه الجائزة القيمة، كون موضوعات الهوية، والمنفى، والاغتراب، والتشظي النفسي، والحنين الذي يعيد اكتشاف الماضي ويطرحه برؤية نقدية جديدة، وهو ما عبّرت عنه شخصيات عاشت على أطراف التاريخ ولم تجد من يروى حكاياتها، ومنها نساء واقعات فى قلب الحياة، يحضرن فى منجزها الأدبي بقوتهن، وضعفهن، ونجاحاتهن، وانكساراتهن، وبكل ما يلقين من تناقضات وتحديات. إنعام كجه جي، صحفية وروائية، ولدت في بغداد، وعملت طويلا بالصحافة إضافة الى كتابة البرامج والأعمال الأدبية بالإذاعة، ثم أصدرت روايتها الأولى «سواقي القلوب» في غربتها بباريس ، وكان البطل مأخوذاً بالحنين للوطن، وهذا ما نجده أيضاً في روايتها «طشارى» التي تناولت فيها مشكلة بعض المهجّرين قسرياً، و«الحفيدة الأميركية» التي تناولت فيها أحداثاً ويوميات متصلة اجتماعيا وسياسيا.
وفي جميع روايتها مثلت ثيمة الحنين إلى الوطن متناً راسخاً في تجربتها السردية، وهي التي عاشت طويلاً خارج وطنها، وفي مثل هذه الحال فـ «لا جرح يداوي جرحاً، لكن قبساً هناك يمكن أن يخفف من عتمة مريرة هنا». لكنها أيضا تلوم نفسها على هجرتها عن وطنها الذي يسكن قلبها وروحها، وعالمها الروائي وشخوص إبداعها، وفي أحد أعمالها تقارن حتى بين العراق وطنها الأم، وفرنسا مقر سكنها.. «بغداد فيها أوبرا؟ -فيها كل شيء- ماذا فيها أكثر من باريس؟ دجلة ومليون نخلة وأمي»!
وإنعام كجه جي، رغم بداية تجربتها الروائية متأخرة، حيث بدأت بعد الغزو الأميركي للعراق تقريباً، إلا أن قراءاتها الغزيرة للأدب جعلتها واحدة من رواده. وفي هذا المقام أشارت إلى أنها تقرأ كل ما تصل إليه يدها من كتب في السيرة والمذكرات، ولم يبتعد الشعر عن ذائقتها، حيث تحاول متابعة كل ما ينشر منه على وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت دار نشر كبرى مع الوقت للمواهب المختلفة على مستوى العالم وتحديداً عالمنا العربي. وتستخدم انعام كجه جي ضمير المتكلم في أعمالها وخاصة في مجموعتها المهمة «بلاد الطاخ طاخ»، التي قالت إن قصصها تكاد تكون بمثابة شهادات واقعية تقدمها شخصيات مختلفة، عن مجتمع كامل مر بتجارب عديدة تستحق أن تروى. وقد عالجت بعض الدراسة الموروث الشعري القديم المُستدعى في روايات إنعام كجه جي، لأنَّ ثَمَّة حضوراً واضحاً لهذا الموروث في نصوصها الروائيَّة، واستقصى الباحث مواطن الاستدعاء موضحاً آليَّته ودواعيهِ في كلِّ موطنٍ. عانت الصحفية انعام حدة غربتها عن وطنها لأكثر من 40 عاماً، حيث تجني في الغربة جرح الاشتياق إلى النخيل ودجلة والفرات ذراعي العراق التاريخيين. وقد منحها وطنها قبساً يخفف من العتمة عندما رفع لافتة باسمها في شارع المتنبي في بغداد، كما شرفها ورفع من قيمة تجربتها الأدبية وصولها أيضاً للقائمة القصيرة لجائزة البوكر الأدبية ثلاث مرات. وتعمل إنعام كجه جي الآن على رواية تعتبر نفسها متأخرة في إصدارها بسبب عدم وجود وقت كافٍ، متمنية توفر عزلة مناسبة مع التحرر من الواجبات الصحافية والعائلية، للانتهاء منها، كاشفة أن حلمها المستقبلي يتمثل في كتابة مذكراتها بعد كل هذه السنين قائلة: «أظن أن فيها مدهشات تنافس الروايات. عملت انعام كجه جي بالصحافة الورقية في بداية الامر وقد زملناها لسنوات في العمل سوية، وكانت مدرسة في الصحافة، فهي كما تقول مدينة للصحافة بما أنا عليه اليوم من تقدير، ومن بلوغ رواياتي البوكر ثلاث مرات. ربما من دون الصحافة لم أستطع أن أمتلك هذه التجربة، وهذه المعرفة بأنواع البشر، ولا هذا الوصف لبلدان عدة، تجري فيها أحداث رواياتي، ولا لهذا النوع من الشخصيات الذي لا يكتفي بالظهور في مقابلة صحفية، بل يستحق أن يسجل في نمط آخر أبعد، وأعمق، وهو الرواية. فكل صحفي عنده دفاتر صغيرة يسجل فيها ملاحظاته، وهذه الدفاتر تتجمع لديه من أسفار عدة، وصحف تنقل فيما بينها، ثم في لحظة شعرت بأن هذه الأسماء تستصرخني وتطلب أن تخرج من دفاتري لتجد مكاناً أوسع، وساحة أرحب تعيش فيها حياتها، ومن دون الصحافة لم يكن يتاح لي أن أسافر، أو التقي ببشر، ولا أن أعيش حياة لا تتاح لكثيرين، خاصة للنساء في بلادنا، من جانب آخر، طوعت الصحافة لغتي، وعلمتني الوضوح والاختصار، وأحياناً يقولون لي إن رواياتي تحمل الأسلوب الصحفي، فأقول إن هذا الأسلوب وسيلة تواصل جيدة، وليس من السهل بلوغ لغة سهلة بسيطة واضحة ليس فيها ركاكة، هذا يحتاج إلى تدريب وخبرة، تعبت على لغتي في الصحافة، ومنها انتقلت إلى لغتي في الرواية.