رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الصراع بين إعلام الرسالة والصفقة ..


المشاهدات 2397
تاريخ الإضافة 2025/06/03 - 10:28 PM
آخر تحديث 2025/06/15 - 6:14 AM

في زحمة المنصات الإعلامية، وتحت سطوة رأس المال، يبقى هناك سؤال محوري يتكرر: هل تكمن قوة الإعلام في الطرح الذي يقدمه، أم في حجم التمويل الذي يقف وراءه؟ سؤال يبدو بسيطًا على سطحه، لكنه يحمل في داخله الكثير من التعقيد، لأن الإجابة تتجاوز الثنائية التقليدية نحو فهم أعمق لدور الإعلام، وتحولاته، وتأثيراته.
لا شك أن المحتوى هو جوهر الرسالة الإعلامية، فهو ما يمنح الوسيلة هويتها ومكانتها بين الجمهور، يمكن لقناة صغيرة أو صفحة مستقلة أن تفرض نفسها وتحدث صدى في أوساط الرأي العام، فقط لأن ما تقدمه صادق، نوعي، ويطرق مواضيع مغفلة أو مهمشة لكن هل يكفي ذلك وحده؟
المحتوى القوي بحاجة إلى منبر يصل به إلى أكبر شريحة ممكنة، ومنظومة إنتاجية وترويجية تحميه وتدعمه، وهنا يدخل عنصر التمويل كعامل لا يمكن إغفاله، إذ أن الإعلام في النهاية صناعة تتطلب طواقم بشرية، تجهيزات تقنية، منصات نشر وتوزيع، وكل ذلك لا يتحقق دون موارد مالية مستقرة، ولهذا نرى الكثير من المشاريع الإعلامية الجادة تنهار أو تبقى حبيسة الهامش، فقط لأنها لم تجد الجهة التي تؤمن بها أو لم تكن مدعومة من أطراف تمتلك النفوذ السياسي أو الاقتصادي.
لكن، ماذا عن التأثير؟ هل يمكن لإعلام محدود التمويل أن يكون مؤثرًا؟ نعم.. إذا عرّفنا التأثير بمعناه العميق: أن تُحرك قضية أن تُسائل سلطة أن تُوقظ رأيًا عامًا، هذا النوع من التأثير قد لا يظهر في الأرقام، لكنه يتجلى في ردود الأفعال، في تغيّر السياسات، أو حتى في اتساع وعي الناس ومع ذلك فبدون حاضنة مالية، يظل هذا التأثير هشًا، ومعرّضًا للانطفاء في أي لحظة.
ومن جهة أخرى، شهد الإعلام في السنوات الأخيرة طفرة نوعية في ما يسمى بـ «المواطن الصحفي» بات بإمكان أي شخص يمتلك هاتفًا وكاميرا واتصالًا بالإنترنت أن ينقل المعلومة، ويصل بها إلى العالم بل أن يصنع حدثًا إعلاميًا، هذه الطفرة أضافت بعدًا رقابيًا جديدًا، وفتحت نوافذ على ما كان يُخفى، لكنها في الوقت نفسه أربكت مشهد الإعلام المهني، وقلّصت من الفارق بين الصحفي المحترف ومستخدم المنصة.
وهنا تظهر إشكالية أخرى: هل فقدت الوسيلة الإعلامية التقليدية قيمتها؟ هل أُفرغت من رسالتها؟ البعض يجيب بالإيجاب، خصوصًا مع سيطرة وسائل التواصل، وصعود «الإعلام الشعبوي»، وانجراف كثير من المؤسسات وراء التريند، على حساب المهنية والعمق لكن في المقابل ما زال هناك جمهور يبحث عن الموثوق، ويتوق إلى تحليل عميق ويرفض الاكتفاء بالمعلومة السطحية.
ومع تسارع التحولات التقنية، بات الإعلام سلاحًا ذا حدين أكثر من أي وقت مضى يمكن له أن يكون أداة تحرر كما يمكن أن يتحول إلى أداة تلاعب وتضليل وهنا تظهر خطورة المرحلة، لم يعد الخطر في الإعلام المسيس فقط، بل في الفوضى المعلوماتية وفي تآكل المعايير وفي استسهال النشر دون تحقق أو تدقيق.
إلى أين يتجه الإعلام إذًا؟ يبدو أنه يتجه نحو مرحلة فرز دقيقة مرحلة تُغربل فيها الأصوات، وتُكافأ المنصات التي توازن بين الجودة والشفافية وبين الاستقلالية والاستدامة قد لا تبقى الكلمة الأقوى للأغنى، بل للأصدق، وقد لا يكون التأثير للأكثر ضجيجًا، بل للأكثر مهنية وعمقًا. في النهاية، الإعلام ليس بخير تمامًا، لكنه لم يمت فهو في مرحلة تحوّل، والصراع ما زال مفتوحًا بين إعلام الرسالة وإعلام الصفقة، بين صحافة الضمير وصحافة رأس المال وما يحدد مصيره، هو ليس التمويل وحده، ولا الطرح وحده بل التوازن الصعب بين الإثنين في زمن لم يعد فيه شيء مضمونًا.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير