رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
التنمية المستدامة في العراق حلم وردي أم مشروع واقعي؟


المشاهدات 3087
تاريخ الإضافة 2025/06/01 - 9:53 PM
آخر تحديث 2025/06/28 - 8:00 AM

لطالما شُغلت الساحة العراقية خلال السنوات الماضية بمصطلح «التنمية المستدامة»؛ ذلك المفهوم الذي يبدو في ظاهره جميلًا كالحلم الوردي، يَعِدُ الناس بحياة أفضل، بيئة نظيفة، تعليم جيد، صحة متطورة، واقتصاد مزدهر. لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل هذا الحلم الوردي قابل للتحقق في العراق، أم أنه مجرد شعار يتردد في الخطابات الرسمية دون أن يجد ترجمة فعلية على أرض الواقع؟
 لا شك أن العراق يمتلك مقومات ضخمة تتيح له الانطلاق في مشاريع تنموية مستدامة: ثروات نفطية هائلة، موارد مائية، أراضٍ زراعية واسعة، وشريحة سكانية شابة تشكل أكثر من نصف المجتمع. من الناحية النظرية، هذه العناصر كافية لوضع العراق في مصاف الدول التي تحقق أهداف التنمية المستدامة، بل وتتجاوزها. ولكن، وعلى الرغم من هذه الإمكانيات، نجد أن عقبات كبرى تعترض طريق التنمية، أبرزها الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وسوء إدارة الموارد، وغياب الخطط الاستراتيجية طويلة المدى، فضلًا عن الأزمات الأمنية والسياسية المتكررة التي تُبقي البلاد في حالة عدم استقرار دائم وتعطل الجهود التنموية، وتبقي العراق يدور في حلقة مفرغة من الأزمات حين نسأل المواطن العراقي البسيط عن التنمية المستدامة، قد ينظر إلينا باستغراب، فكيف نتحدث عن أهداف 2030، والناس ما زالوا يعانون من انقطاع الكهرباء شبه الدائم، تلوث المياه، شح الخدمات الصحية، وغياب فرص العمل؟ هنا تتبدى الفجوة الهائلة بين الشعارات الرسمية المرفوعة في الإعلام وخطابات المسؤولين، وبين واقع الناس اليومي الذي لا يشهد أي تحسن ملموس. كما يشعر المواطن أن التنمية المستدامة ليست سوى مشروع نخبوي، لا يعرف عنه عامة الناس شيئًا، ولا تصل آثاره إلى الأحياء الفقيرة، القرى النائية، أو فئات المجتمع المهمشة مع ذلك، هناك أمل ينبثق من بعض التجارب المحلية الصغيرة، في عدد من المحافظات، ظهرت مبادرات شبابية تعمل على نشر الوعي البيئي، مشاريع صغيرة تعتمد على الطاقة الشمسية، حملات لتنظيف الأنهار، ومبادرات تعليمية في المناطق الريفية. كما أن هناك شركات ناشئة يقودها شباب عراقيون طموحون يسعون إلى إحداث تغيير حقيقي في مجتمعاتهم. المشكلة الكبرى أن هذه الجهود، على الرغم من أهميتها، ما تزال محدودة للغاية ومبعثرة، وتعاني من غياب الدعم الرسمي والرؤية الوطنية الموحدة التي تستطيع تحويل هذه المبادرات إلى سياسة دولة شاملة ومتكاملة لتحويل التنمية المستدامة من حلم وردي إلى مشروع واقعي.   وفي النهاية، يبقى السؤال الكبير معلقًا: هل نحن على استعداد لنستفيق من هذا الحلم الوردي ونخوض معركة البناء الحقيقي بإصرار وشجاعة؟ أم سنبقى أسرى الخطابات والشعارات الفارغة، بينما تمرُّ بنا فرص الإصلاح واحدة تلو الأخرى دون أن نقتنصها ونحوّلها إلى واقع ملموس؟ إن الجواب على هذا السؤال لن يحدد فقط شكل العراق في السنوات القادمة، بل سيحدد أيضًا مصير أجياله القادمة ومستقبلهم.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير