منذ أن التزمتُ بكتابة عمودي الأسبوعي في جريدة «الزوراء» قبل أكثر من ثلاث سنوت، لم أتأخر يوماً بسبب النسيان أو غيره عن موعد دفعه، ولما كان العمود ينشر كل يوم أثنين فقد اعتدتُ على دفعه مساء كل يوم سبت وربما قبل ذلك، أو أتأخر- لسبب ما - إلى صباح أو ظهر الأحد في حالة وجود تسهيلات من رئاسة تحرير الجريدة، مثل تلك التي منحني إياها مؤخراً الزميل عبد الهادي مهودر. وربما كان ذلك وراء ما حصل معي في عمود هذا الأسبوع الذي أخذني عنه النسيان لكثرة انشغالاتي، وليس بسبب التقدم في العمر كما هو شائع. فالنسيان كما تؤكد الكثير من البحوث في مجال الذاكرة لا يُصيب فقط كبار السن ولا المصابين بمرض عضوي، بل يزورنا جميعاً، حين نترك لذاكرتنا مهمة لا تليق بها وحدها. وحين تذكرتُ فجأة - وأنا في طريقي لإداء واجب اجتماعي - أن موعد تسليم العمود قد فاتني سارعتُ للإتصال بالزميل أبو ميثم لعلّه يكتب اعتذاراً عن كتابة عمودي لهذا الأسبوع، لكنه تصرّف معي تصرف صحفي مهني مسؤول عن جريدة يومية، وأخبرني انه يمنحني الوقت الكافي، وسينتظر عمودي حتى قبيل اغلاق الصفحة الأخيرة الساعة التاسعة مساءً. وهكذا، أسقط عني ذريعة النسيان، وخيانة الذاكرة .
لم يكن لديّ موضوع ، ولا حتى فكرة أولية، أو قُل إن الموضوعات والأفكار كثيرة، غير أن الخيارات، وأنت محاصر بالوقت، تضيق وربما تتشتّت، ويتضاءل التفضيل بين فكرة وأخرى، ومع ذلك لم أكن قلقاً، فالأخبار المفرحة التي تستحق الكتابة كثيرة، لعل آخرها فوز الشاعر حميد سعيد والصحفية الروائية إنعام كجه جي بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها التاسعة عشرة، وذلك - كما غرد الزميل حمزة مصطفى - تكريم للأدب العراقي.
الآن وأنا اسابق الدقائق والثواني قبل حلول ساعة الصفر التي حددها مهودر لدفع هذا العمود المتأخر، أشعر بأهمية الالتزام المهني في العمل الصحفي، وأحس بمعاناة زملائي من كتاب الأعمدة والمقالات الذين قد تتيه عنهم الأفكار، وتشح لديهم الموضوعات، أو يداهمهم النسيان ولا يجدون تفهماً مثل الذي وجدته، ولم يُمنحوا فرصة الانتظار حتى التاسعة من ليلة اصدار الجريدة !.