تثار تساؤلات كثيرة حول مهنة الإعلام وأخلاقياتها وتشريعاتها، وبخاصة في ظل الثورة الرقمية التي نعيش تطوراتها المذهلة حالياً،فقد فرضت وفرة الأخبار وغزارة المعلومات وسرعة تداولها عبر البث الفضائي وشبكة الانترنيت ضرورة وضع قواعد مهنية وأخلاقية محكمة لحماية المرسل والمتلقي وتنظيم العلاقة بينهما، وفي الوقت الذي ما زال ملف قانون المعلومات معطلاً ومؤجلاً في مجلس االنواب العراقي منذ أكثر من عشر سنوات، تبدو الحاجة ملحة لعرض نماذج من التشريعات الإعلامية والاستفادة منها في وضع قانون جديد لتنظيم البث الإعلامي والمعلوماتي وتوظيفه لخدمة المجتمع.
طالعت في المدة الأخيرة كتاباً بعنوان(عصر الميديا الجديدة) أصدره اتحاد اذاعات الدول العربية في تونس، وتضمن فصلاً يضم(مدونة سلوك الإعلام المرئي والمسموع في الوطن العربي) من إعداد نخبة من الأساتذة الإعلاميين و الخبراء المهنيين، وتتضمن هذه المدونة مجموعة من الضوابط الأخلاقية التي راكمها الحقل الإعلامي طوال عقود من الزمن، وتشمل ثلاثة مستويات، يركز أولها على ضمان الحريات وربطها بالمسؤولية، والثاني يضع ضوابط للمارسة المهنية، والثالث حول كيفية تنظيم العلاقة بين المؤسسات الإعلامية والمجتمع.
لعل من أهم المباديء المهنية الإعلامية، وفق المدونة، ضمان الحق في الوصول إلى المعلومات الموضوعية واحترام الأخلاقيات في الحصول على المعلومات، ثم الدقة في نقل الخبر، وحفظ الأسرار المهنية وحق حماية مصدر المعلومات، وتؤكد المدونة مبدأ الاستقلالية وحق الرد والتصحيح والتمييز بين العمل الصحفي والإشهار( الإعلان)، والصدق في عرض الحقائق بموضوعية وحيادية، ومراعاة النزاهة والعدل والإنصاف والتعددية والتنوع، وعلى مستوى احترام الجمهور لابد من احترام الكرامة الإنسانية ومبدأ قرينة البراءة والاجراءات القضائية، فالمتهم بريء قبل صدور الحكم القضائي،وينبغي على وسائل الإعلام احترام هذا المبدأ المهم وعدم التورط في اتهامات ومعلومات كاذبة لغرض التسقيط أو الابتزاز أو المصالح الخاصة.
وتتضمن المدونة بنوداً حول احترام حقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة والأقليات ومراعاة الخصوصيات الفردية والاجتماعية.
كما تهتم المدونة بتنظيم حقوق الملكية الفكرية وتضع ضوابط لاحترام حقوق المبدعين في الحقل الإعلامي، وتؤكد أهمية اصدار تشريعات بهذا الشأن فضلاً عن القيم الأخلاقية، من منطلق اعتبار(القرصنة) عملاً غير شريف، وبالأخص في الإعلام الرقمي ومواقع الميديا الاجتماعية التي أصبحت ميداناً مفتوحاً لكل من هبّ ودّب، تحكمها التفاهة والسطحية والشهرة الزائفة!