رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الفنان فاضل سوداني... مخرج فلسفة الصورة.. يعيش الغربة ويحن إلى العمارة


المشاهدات 2193
تاريخ الإضافة 2025/05/24 - 9:42 PM
آخر تحديث 2025/06/04 - 4:54 PM

منذ سنوات وعيه الأولى اندهش الرائد المسرحي فاضل سوداني بسحر مدينته العمارة، وأبدى نوعا من العشق مع أهلها الطيبين. وفي مرحلة دراسته المتوسطة تعلم الرسم على يد الفنان عبد الرحيم البياتي والفنان منعم مسافر، وحاز على الجائزة الأولى على مدارس العراق، وقد ساعده هذا في المستقبل على تصميم الديكور لجميع مسرحياته التي أخرجها، وكذلك تصميم ديكور مسرحية في «انتظار غودو» التي أخرجها الفنان سامي عبد الحميد لفرقة المسرح الحديث في نهاية الستينيات من القرن العشرين.
وأيضا ساهم في مرحلة الدراسة المتوسطة بالنشاط الفني المدرسي، ومثّل في مسرحيات أخرجها اساتذة مسرح مثل ابراهيم غزال وزاهر الفهد، وكان لهما الفضل في توجيهه وتحديد مستقبله المسرحي الذي بدأ كهواية وتحول إلى وعي واحتراف.
بالتأكيد كانت هنالك روافد مختلفة لها تأثيرها عليه منذ طفولته، وتعمقت بعد ذلك في مرحلة الشباب، منذ البداية بمدينته الجنوبية العمارة ، ولد وعاش فيها زمنا طويلا، فهي بكل المقاييس مدينة ريفية ذات طبيعة خاصة، محاطة بالماء والأنهر من جميع جوانبها وعندما يصلها نهر دجلة يتفرع إلى أربعة انهار مهمة أيضا، فتتحول وكأنها البندقية وأنهارها تصب في مساحات هائلة من الاهوار، وطبيعة الحياة في هذه المنطقة مشابهة لطبيعة حياة الأقوام التي سكنتها قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ففي هذه المنطقة الجنوبية من العراق بالذات نشأت الحضارة السومرية. 
والعمارة مدينة متنوعة الطوائف والأديان، وكانت طقوسهم تثير لديه الحس الشعري والدرامي، لأنها مملوءة بالغرائبية، ومنها الطقوس للطائفة المندائية التي تملأ المدينة والتي تمارس في أعيادهم، ومناسباتهم وتتم دائما وسط النهر ، فالماء جزء من طقوس التعميد الدينية، فيرى صولجان الشيخ، وغصن الشجر الطري في عمامته وتمتماته التي هي جزء من أسطورية كتاب «الكنـزربا» المقدس للصابئة ، فيتمتم بخشوع ( بكلمتك خلق كل شيء ) وكأنه يبحث عن نور الشمس، فيضع الغصن كأنه نجمة ، ويتوحد الحالم مع روحه ليمشي على النجوم ( الأبدية )، فيتطهر طوال العام في زمن المسرة.
كما أن انجذابه للطقوس الدينية خاصة طقوس عاشوراء قربا من المسرح، فإنها تستدعي مخيلته عندما يرى في الليل المشاعل مشتعلة، وكورس الرجال يسيرون حفاة، والجميع يمسك الشموع وأغصان الآس، ويلطم الصدور على إيقاع الردات الدينية الحزينة المناسبة مما يضفي على هذا المشهد المأساوي رهبة وجلالا. 
إن الشيء المهم في هذه الطقوس هو المشاركة الجماعية لجميع السكان بالرغم من هدفها الديني، حيث تتحول المدينة إلى احتفالات ومواكب ومجالس وتشابيه تمثل ويؤديها رجال ونساء وغيرها من الفعاليات التي تتسم بدراميها، فيعم الحزن والندب الجماعي، فإن للجو الدرامي المصاحب بالموسيقى العنيفة والإيقاع المتميز، أهمية خاصة لإثارة مشاعر الإنسان المشارك أو المشاهد، وبعد ذلك تحول الأمر إلى استيعاب تراجيديا هذه الطقوس دراميا، فهي تشكل مسرحا متفردا.
وبالرغم من تعرف سكان المدينة الفقيرة ومنذ خمسينيات القرن العشرين بأن هناك مسرحا يقدم عروضا مختلفة في أوائل ستينيات القرن الماضي بعد ان شاهد أول عرض مسرحي شعبي من فرقة المدينة المسرحية التي يديرها ويعمل بها شخصيات محترمة اجتماعيا في المدينة، وهذا شيء مهم لجدية العمل والجمهور. كانت الفرقة تهدف أن تكون محترفة، تأثرا بفرقة فاطمة رشدي عندما زارت العراق، وعندما تقرب من أعضائها، وكان في بداية المراهقة، تعلم منهم الانضباط، واحترام قوانين المسرح خاصة، لكن سرعان ما توقف نشاطها كأي مشروع جدي في ظروف استثنائية. 
وفي عام 1964 تقدم لدراسة المسرح بمعهد الفنون الجميلة ببغداد، رفض ولم يقبل، غير أن عناده دفعه لتكملة امتحان الإعدادية للتقديم إلى الأكاديمية، وتحققت أمنيته وقبل ورفيق عمره ومدينته الفنان فاضل خليل، هذا القبول فتح أمامه أفق جديد له، إذ أن عالم الأكاديمية هو عالم جديد عليه، حيث يمكن أن يلتقي بفنانين العراق المعروفين سواء كانوا في المسرح أو السينما أو التشكيل.
ومن المعروف بأن الفنان سوداني كان مثابراً في دراسته الاولى، فأدى هذا الى أن ينال موافقة اساتذته مثل ابراهيم جلال وجعفر السعدي وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد على اداء الأدوار البطولية لمختلف المسرحيات التي يخرجونها، وقد منحه الفنان سامي عبد الحميد الفرصة بأن أسند له دور البطولة في مسرحية يوجين أونيل «الإمبراطور جونز» والتي تعد فرصة مهمة لطالب مسرح آنذاك، وخاصة أن الإمبراطور المهزوم يعتبر دوراً معقداً ليس نفسيا فقط ـ وإنما حركيا. وأثناء دراسته في الأكاديمية أخرج مسرحية إسكوريال للمؤلف البلجيكي ميشيل دي جليدرود ومسرحية انتغونا لجان كوكتو، فشكل له ذلك رافدا لأهميته وخصوصيته
 وبما أن الأهل لم يوافقوا على مشروعه الفني في دراسة المسرح فقد حرموه من أي مصروف، زادت معاناته كونه لم يقبل في القسم الداخلي، لكن رفيقه الفنان فاضل خليل المعروف بكرمه وإبداعه وافق على أن يقاسمه المصاريف التي كان أهله يرسلونها له، والسكن في أماكن شعبية جدا لرخصها، مثل سوق الهرج، والحيدر خانة، فأصبح قريبا أيضا من الشخصيات الشعبية الغنية بالسحر والحكمة والأسطورة. وفي الأكاديمية دخل عالم المسرح بكل متطلباته وقوانينه الغريبة عليه، والتي بدأ بالتعرف عليها لأول مرة، وبدأ يمرن جسده وذاكرته ومخيلته لتكون مؤهلة للسير في هذا العالم الشائك. 
كان مسحورا بجو العاصمة، بسينماتها، وضجيجها، وبدجلة الذي يخترقها متهاديا ليفصلها إلى الكرخ والرصافة، وكان مسحورا بالتسكع في شارع الرشيد ظهرا، أو الدخول إلى السينمات الرخيصة والأفلام الساذجة للنوم في الظل البارد، أو الجلوس على ساحل دجلة في أيام الخريف يستحم بدفء يشعرك بالخدر. هناك وفي شارع أبي نواس وبالذات في مقهى البتاويين قرأ القصة والرواية خاصة عند كتابات القاص عبد الله صخي كون قصصه متميزة ةتؤشر إلى أسلوب جديد للكتابة الستينية.
في شارع فرعي بين شارع السعدون وشارع أبي نواس، يقع مقهى صغير يتميز بتقديم الشاي بنكهة خاصة. كان يرتاده مجموعة كبيرة من المثقفين والفنانين والشعراء وحتى رجال الشرطة السرية، وقد شكل هؤلاء المثقفون جيل الستينيات المتمرد، وأصبح القسم الكبير منهم الآن يشكلون عالم الإبداع العراقي ويؤثرون فيه. كان لهذا المقهى ميزة التفرد حتى أصبح مكانا لصهر الأفكار الحداثية في الثقافة والفن والأدب من خلال رواده الذين كانوا موزعين في العمل في المجلات الثقافية، والإعلامية، والإبداعية. وبالتأكيد، فمثل هذا سيصبح رافدا للتأثير على أي إنسان يحاول أن يدخل في مجاهل الإبداع. وبما أن لكل جيل مناصريه، فإنه وجد في مكتبيتي “بناي»، وهاشم مناصرة في شراء الكتب بالتقسيط ملتهما القراءة بنهم. كان الليل له سحر آخر في بغداد، لذلك كانت متعة كبيرة الجلوس في ساعاته الأخيرة تحت ملحمة التحرير لجواد سليم، هناك وفي هذا الليل وهذا الجو اكتشفت مكانه ومستقبله الإبداعي.
وعندما كان يعود في العطلة الصيفية إلى العمارة، كان ينزوي في بساتينها الغنية بالفاكهة والرطب الذهبي، ويجلس على نهر دجلة بين شجيرات الصفصاف في منطقة الشبانة للتأمل. وبين الصفصاف والنخيل المائل بسعفه على النهر المنساب بهدوء، كان يقرأ كتاب فن المونتاج لـ «بود فكين»، وما كتبه «إيزنتشتاين» عن السيناريو والسينما عموما. وحرفيات هذا التكنيك يحتاجها عالم المسرح، ففيه حرفية خاصة، وقدرة على التنقل السريع في الحدث، وقرأ أيضا لدوستويفسكي وغيرهم.
ولا ينسى الصدفة التي علمته التوغل في عالم شكسبير الذي منحه الكثير في تعلم فنون المسرح ليس الفن فحسب ـ وإنما الحياة أيضا وتمنحه «هاملت» أفقا جديدا ليخلق لديه رؤية جديدة وعالم أكثر تماسكا والتعرف على أن الفن يحتاج إلى رؤية فلسفية وتمرين على المعرفة وتوسيع الخيال، وقد خدمته الصدفة باللقاء بالفنان ومدرس المسرح في معهد وأكاديمية الفنون الجميلة حميد محمد جواد.
ففي عام 1965 عاد حميد محمد جواد للتو من دراسة السينما، وبدأ تدريس المسرح في معهد الفنون الجميلة وهو يمتلك القدرة على الدخول إلى قلب الآخر سريعا بسبب روحه التمردية على البيروقراطية والسخرية من الفن كوظيفة على كون الفن هو الإبداع، وعلى الصنمية في التفكير، والتعامل مع المسرح بصوفية، وهو موسوعي الثقافة وعصامي في حياته، فقد تميز بعقله الشمولي المتنور.
كل هذه الأسباب كانت سببا في أن تتحلق حوله مجموعة من الطلبة الأكثر طموحا وتمردا، وترتبط به مصيرا للغور في تأمل الفن وعمل المسرح، وأصبح معروفا بين أوساط الفن بأن هنالك على دجلة مجموعة من الفنانين الشباب يجلسون ساعات متأخرة في الليل، وخاصة في أيام العطل للتأمل والتفكير في الفن، والقراءة والتمرين الفكري والفني لتكوين البصيرة الخيالية والذهنية ، وخلق مرادفات فنية صورية للتعبير فنيا عن الترادفات الحياتية مما خلق لدينا مفهوما جديدا في العملية المسرحية وهو مفهوم مسرح الصورة، واستطاع أن يحقق هذا عندما أخرج مع طلبته مسرحية «هاملت، بالإضافة للتحليل الفلسفي الوجودي لمأساة الأمير الدنماركي وشكسبير بما فيها الديكور الذي صممه هو كديكور تجريدي رمزي معبر له دلالات شاملة والذي امتد إلى قاعة المشاهدين، وهو توجه يقترب من النهج للمخرج السويسري وأدلف آبيا، أو الانكليزي جوردون كريج الذين اهتما بعلاقة الكتلة بالفضاء، إضافة إلى حذفه للشبح الذي يمثل والد هاملت، وبالرغم من خطورة هذا الأمر، إلا أن حميد جواد يبرر ذلك بكون عصر شكسبير يؤمن بالخرافات والأشباح، وهذا لا يتناسب مع عقلانية عصرنا . 
وكما هو المعروف عن الفنان سامي عبد الحميد المبدع والماهر في التمثيل وخلق الشخصيات على المسرح كونه يحب دائما أن يمنح فرصا جيدة للفنانين الشباب المتميزين لذلك فإن إسناده له دور البطولة في مسرحية يوجين أونيل «الإمبراطور جونز» تعد فرصة مهمة لطالب مسرح آنذاك، وخاصة ان هذا الدور يعتبر دورا معقدا ليس نفسيا ـ فقط ـ وإنما حركيا. 
ففي المسرحية الكثير من التأويل والرمز الذي يجعل المخرج والممثل يبدعان في مجالات البعد الرمزي، وكانت بالنسبة له تجربة فريدة في معرفة الكيفية التي يمكن للممثل إن يبدع جسديا بالرغم من أن الكثير من أعمال عبد الحميد تنحو نحو الواقعية، وفي هذه المسرحية، فإن المخرج أعطى شخصية الإمبراطور إلى ممثلين اثنين بدلا من واحد، وهذا أضاف عمقا جديدا للعمل. وقد فتح له سامي عبد الحميد أفقا جديدا عندما اسند مهمة تصميم ديكور مسرحية في «انتظار غودو» الذي كان يركز على فكرة الزمن والعدم من خلال التعبير عن اللاشئ، فتحولت أغصان شجرة الانتظار إلى أميال الساعة، والتأكيد على أن شجرة الحياة فارغة، ومنخورة، مما منح الديكور إمكانية خروج الصبي من داخل الشجرة، ليخبر الأفاقين في نهاية كل فصل رسالة غودو في عدم مجيئه، ويعدهم بالمجيء غدا.
في مسرحية “عرس الدم» لغارسيا لوركا، منحه الفنان جعفر السعدي إمكانية التجاوز على الذات عندما أسند له دور البطولة، وجعله يشعر بشفافية الشعر، وتراجيديته على المسرح، لدرجة تتحول حركة الجسد إلى قيمة شعرية في الفضاء. 
المدرسة الأخرى التي أثرت في تكوينه الفكري المسرحي وذاتي كإنسان هي فرقة مسرح الحديث، وهو عالم جديد، فرقة مسرح الفني الحديث. وتعتبر هذه الفرقة بيتا للفنانين الفقراء الرافضين، وغير المتكيفين مع النظام السابق، تلك العائلة الفنية التي كانت مهمتها المساهمة في تطوير الوعي الاجتماعي والجمالي، ليس لجمهورها فحسب، وإنما لأعضائها من الشباب والرواد، لأنها تميزت عن باقي الفرق بكونها مدرسة فنية، تضم خيرة الفنانين العراقيين، وتعتمد على أهم المناهج الفنية العالمية، ويتنوع (برنامجها) المسرحي بين واقعية وشعبية المسرحيات العراقية المعاصرة إلى المسرحيات العربية والعالمية. لذلك فإن الثيمة الرئيسية في عملها هي علاقة الإنسان بمجتمعه، وموقفه السياسي ليس بما يحدث في وطنه، فحسب، وإنما في العالم أيضا ، لذلك فإنها كانت تقدم فنا مسرحيا متطورا، يتسم بواقعيه، وصدقه مما أدى إلى خلق جمهور كبير ومتنوع، جمهور من البسطاء والنخبة، سواء من العاصمة أو المحافظات. وبالتأكيد يثير هذا بالتأكيد حقد أجهزة النظام القمعية والصحفية والإعلامية، لذلك فإن السلطة كانت تضع العراقيل المختلفة أمام إنتاج الفرقة المسرحي، بسبب المعالجات السياسية والاجتماعية في المسرح العراقي، والتي يحاول تحقيقها فنان الفرقة، والفرق الأخرى غير المتكيفة مع أهداف السلطة، وكانت ضرورية لتطوير وعي شعب عظيم تاريخيا مثل الشعب العراقي.. ان أعضاء فرقة الحديث اعتبروها بيتهم الأول، قدرهم في المعاناة ووسيلة لتحقيق وجودهم الإبداعي، فمن خلالها امتلكوا لغة التواصل مع الجمهور.
في مسرحية «النخلة والجيران» للفنان الكبير لقاسم محمد، وقف فاضل سوداني لأول مرة كممثل أمام الفنان خليل شوقي وزينب ويوسف العاني وناهدة الرماح وعبد الجبار عباس، عندها أصبح عضوا فيها باركت الفرقة خطواته الفنية، واعتبرته رافدا شابا طموحا للمساهمة في مستقبل المسرح العراقي مثل : صلاح القصب، فاضل خليل، لطيف صالح، مقداد عبد الرضا ، إسماعيل خليل، وبعد ذلك، انضم بعده رياض محمد، إقبال محمد علي، كاظم السعيدي، خالد خضوري ، طه رشيد ناظم شاكر، وأغلبهم نزح من مدن أخرى غير بغداد، مدن القصب السومري والبابلي والحضارات القديمة، مدن الأحلام والأساطير والسحر والخرافات، مدن مازالت تعاويذ العرافين في معابدها القديمة، من هذه المدن نزحوا إلى حاضرة كبغداد التي لم تأخذهم كثيرا في ذلك الوقت، لأن هاجسهم كان دراسة المسرح في معهد وأكاديمية الفنون الجميلة. 
كانوا يتهيبون احتراما من الاقتراب ـ ليس فقط من فناني الفرقة ـ وإنما من جميع الفنانين المبدعين مثل زينب، ناهدة الرماح، خليل شوقي، إبراهيم جلال، سامي عبد الحميد ، يوسف العاني، عبد الجبار عباس ، قاسم محمد ، جعفر السعدي ، حميد محمد جواد، فاروق فياض ، عبد الواحد طه ، بدري حسون فريد ، آزادوهي صموئيل ، أسعد عبد الرزاق ، جميل نصيف ، طه سالم ، خليل الرفاعي، منذر حلمي، علي فوزي، جاسم العبودي جعفر علي، روميو يوسف ، عبد القادر رحيم ، علي ياس، غازي القيسي وغيرهم.
 وكان فنانو الفرقة يعرفون بأن الشباب الجدد بحاجة إلى فترة من الزمن ليتعودوا على جو وعمل الفرقة، لذا فإنهم كانوا يبادرونهم، وبذلك يقترحون صداقة متكافئة من القلب مبنية على الاحترام وبدون كبرياء أو فوقية بالرغم من أن أكثرهم يدرسوننا في الأكاديمية. لكن ظروف العمل المسرحي الصعبة، في عهد النظام السابق الذي فرض تبعيث الثقافة فقط، حدا بالكثيرين من الفنانين والمثقفين إلى ترك الوطن إلى المنفى. 
وبالرغم من تفوق فاضل في دراسته إلا أن وزارة التعليم العالي لم توافق على تعيينه معيداً في أكاديمية الفنون الجميلة حسب قانون جامعة بغداد لأسباب سياسية مما اضطره للعودة الى مدينة العمارة ونُسب الى النشاط الفني، ولم يمر وقت طويل حتى نُقل الى إحدى الثانويات مع توصية «بعدم التدريس ومواجهة الطلبة، فقط يداوم»، وهناك عمل على إعداد واخراج مسرحية «حفار القبور» عن بدر شاكر السياب.
وما أدهش جمهور العرض هو دعوة المخرج لأحد منبوذي المدينة (صاحب أبو الموتى) لمشاهدة المسرحية، وفي هذا الخصوص يكتب د. فاضل: (بأن المدينة تنظر لهذه الشخصية باندهاش وريبة كونه يجلس في متجر شعبي مملوء بمعلبات فارغة لا يبيع شيئا فقط يمتلك سجلاً خاص للموتى في المدينة، منشغلاً به، يدون كل شيء عن المتوفي، ويقوم بالإعلان عنه ويوم جنازته ومكان العزاء. الخ وأحياناً بعضهم يلجأ بعضهم له عندما يريد أن يعرف شيئا عن المتوفي. 
وفي يوم العرض انتظر سوداني صاحب «أبو الموتى» في باب المسرح، وعندما وصل، استقبله بحرارة أمام اندهاش مدير التربية ومدير النشاط الفني اللذان كانا ينتظران مجيء المحافظ، وأجلسه في مقعد خلف المحافظ، أمام اندهاش الجمهور، وغرابة الأمر. وبعد ذلك عرف بأنه من القلائل الذين فهموا فكرة المسرحية وإخراجها. والعمل الثاني الذي أخرجه ومثل فيه هو (أنغولا) لبيتر فايس، ومن خلال هذين العملين استطاع د. فاضل ان يضع أسساً متميزةً لطبيعة العروض التي تؤكد على كيفية التعامل مع الجمهور.  
بعد دراسة المسرح في جامعة صوفيا ببلغاريا عمل د. فاضل في الجزائر وليبيا وغيرها، حتى اضطره واقع الحال الى الاغتراب والاستقرار في الدنمارك.. بعد معاناة وتجوال بين المدن، ليبدأ رحلة أخرى مع المسرح ضمن مفهوم الغربة القسرية ليقدم ومن خلال شخصية ابداعية فذة الفنان فان كوخ ليشكل عرضه الاول تأليفاً وإخراجاً تحت عنوان (مساء الخير ايها السيد فان كوخ) فقدم رؤيا جمالية بصرية بإمكانات ذاتية تقريبا، ولكن بدعم من نقابة المؤلفين المسرحين الدنماركيين، وقد أخرجها باللغة بالعربية اولا ، وقُدم العرض من قبل ممثلين دنماركيين وفي «مسرح تيرا نوفا» وسط كوبنهاغن، ومن ثم عرضت المسرحية في مهرجان «أغاني الطائر الوحيد» في بلجيكا 1996، وفي هذا النص حاول تحقيق مفهومه حول النص البَصَرّي في الكتابة. وقد حصل النص والعرض على جائزة نقابة المؤلفين الدنماركيين مما فسح المجال له أن يحصل على عضوية النقابة المؤلفين الدنماركيين. أما آخر عروضه كان مسرحية «الرحلة» في مدينة دهوك وباللغة الكردية.. أخيرا نتطلع الى أن يعود ابن العمارة الفنان والفيلسوف الدكتور فاضل سوداني للاستقرار في وطنه ببغداد بالذات، وأن يمنح فرصة لإخراج مسرحيات متجددة تنهض بالجمال والصورة، وكل ذلك نتمناه من وزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح ونقابة الفنانين العراقيين، وأملنا فيهم كبير.


تابعنا على
تصميم وتطوير