في زمن كانت فيه الشعوب العربية تعيش الاحتلالات، والخريطة السياسية ممزقة بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي ، وُلدت فكرة إنشاء كيان يجمع العرب، ويعبّر عن آمالهم في الوحدة والتحرر ويؤكد انهم أمةُ حيةٌ وذاتُ عمقٍ حضاريٍّ مجيد .
والحق انه هذا التجمع العربي سبق العديد من المنظمات الدولية ونشأ على انقاض الحرب العالمية الثانية .
فقد رأت الجامعة العربية النور قبل منظمة الامم المتحدة ومنظمة الدول الامريكية والمجموعة الاقتصادية الاوربية ومنظمة الوحدة الافريقية.
البداية كانت عام 1944، لما دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك، ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري، للقاء في القاهرة، من أجل التشاور حول إقامة كيان عربي مشترك.
ومن هذا اللقاء، انطلقت مشاورات أوسع، ضمّت مصر والعراق وسوريا ولبنان والسعودية والأردن واليمن، وشُكلت لجنة تحضيرية اجتمعت في مدينة الإسكندرية.
وبتاريخ 7 تشرين الأول 1944، تم التوقيع على ما سُمي بـ”بروتوكول الإسكندرية”، أول وثيقة رسمية تمهد لإنشاء جامعة الدول العربية.
في البداية، طُرحت ثلاثةُ أسماء للكيان الجديد: “التحالف العربي”، و”الاتحاد العربي”، و”الجامعة العربية”، لكن التوافق استقر على اسم “جامعة الدول العربية”، لما يحمله من مرونة سياسية في ذلك الوقت.
في 22 آذار 1945، اجتمع رؤساء وفود العراق ومصر ولبنان وسوريا وشرق الأردن في قصر الزعفران بالقاهرة، ووقعوا على الميثاق التأسيسي للجامعة، ثم لحقت بهم السعودية واليمن في وقت اخر.
ومن هذا التاريخ أصبح يوم 22 آذار هو يوم الاحتفال السنوي بذكرى تأسيس الجامعة.
تألف الميثاق من 20 مادة، حددت أهداف الجامعة ومبادئها، وأُنشئت على أساس الحفاظ على استقلال وسيادة الدول الأعضاء، والتنسيق بينها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
وتم اختيار عبد الرحمن عزام كأول أمين عام للجامعة، وبقي في منصبه حتى عام 1952.
وبمرور السنوات، تناوب على الأمانة العامة ثمانية أمناء، هم بالترتيب: عبد الرحمن عزام، ومحمد عبد الخالق حسونة، ثم محمود رياض، والشاذلي القليبي، تبعه أحمد عصمت عبد المجيد، ثم عمرو موسى، ونبيل العربي، وأخيراً أحمد أبو الغيط الذي يتولى المنصب حالياً.
ومنذ لحظة تأسيسها، كان للعراق دوراً فاعلاً في دعم الجامعة، فكان أحد المؤسسين والموقعين على ميثاقها، وشارك بفعالية في صياغة الرؤية الأولى لها، كما استضاف واحدة من أهم قممها على الإطلاق، قمة بغداد عام 1978، التي خرجت بموقف رافض لاتفاقية كامب ديفيد وزيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات للكيان الصهيوني ، واقرت نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس وبقي هناك حتى عام 1990 أذا عاد المقر الى القاهرة بعد عودة مصر الى الحضن العربي .
كما استضاف العراق في عدة مناسبات اجتماعات وزارية وسياسية في إطار الجامعة، وكان صوتاً قوياً في دعم القضية الفلسطينية، والوقوف بوجه التدخلات الإقليمية في الشأن العربي.
ورغم اختلاف قراءات وحيثيات تأسيس الجامعة ، فإن الخطوات العملية بدأت تأخذ طابعاً رسمياً، خصوصاً في عام 1942، عندما دعت مصر إلى اجتماع تنسيقي حضره العراق والسعودية والأردن وسوريا ولبنان واليمن، وتم فيه تشكيل لجنة تحضيرية لبحث آلية الوحدة متعددة الاشكال سياسية واقتصادية وثقافية .
منذ تأسيسها، شهدت الجامعة العربية انعقاد عشرات القمم والمؤتمرات، لكن بعضها ترك بصمته التاريخية بشكل خاص، من بينها قمة (أنشاص) عام 1946، التي ركزت على دعم استقلال الدول العربية، واعتبار قضية فلسطين “قلب القضايا القومية”، وقمة الخرطوم 1967 التي خرجت بشعار “لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف”، بعد نكسة حزيران.
وفي عام 1974، اعترفت قمة الرباط بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، بينما حملت قمة بيروت عام 2002 مبادرة السلام العربية التي ما زالت حتى اليوم تمثل الطرح العربي الرسمي لحل قضية العرب المركزية (قضية فلسطين) .
ومن القمم الحاسمة أيضاً، القمة الطارئة في القاهرة عام 1990، التي ناقشت غزو نظام صدام للكويت، وانقسمت فيها المواقف العربية بشكل حاد، وهو الانقسام الذي ألقى بظلاله على مستقبل الجامعة وموقفها من القضايا المشتركة.
ورغم محاولة الجامعة إعادة ترميم دورها في قمة سرت 2010، بطرح مشاريع لإصلاحها وتطوير آليات التصويت والتمثيل، إلا أن هذه المقترحات بقيت حبراً على ورق، في ظل تصاعد الخلافات الداخلية العربية. ، وتراجع دور الجامعة في ملفات كبرى كالأزمة السورية، والحرب في اليمن، والانقسام الليبي.
ثمانية عقود مرت على التأسيس، تغيّر فيها العالم، واختلفت أولويات الدول الأعضاء، لكن الجامعة ما زالت قائمة، تحاول أن تبقى صوتاً عربياً جامعاً، رغم التحديات والتصدعات… ويبقى السؤال: هل ستنجح هذه المؤسسة في استعادة دورها؟ والجواب على هذا السؤال نجده دائماً في الصوت الشعبي للشارع العربي الذي ما زال يؤمن بأمةٍ قادت العالم ردحاً من الزمن وما زالت تأمل خيراً بقادتها.