تقاس خسائر الحرب، بعدد الشهداء والأسرى والمعدات الحربية التالفة والمنشآت الإقتصادية والمدن والمساكن والأراضي المقتطعة إحتلالاً وسواها من أنطقة قصفتها آلة العدو الحربية، لكن الناجين من الحرب، يجب أن يجردوا ضمن الخسائر.
ولو تأملنا في ما آل إليه واقعنا العراقي بعد سلسلة حروب هوجاء، خرجنا منها بخسائر جمة، عائدين الى معاهدة 1975 التي ألغاها صدام حسين؛ كي يحارب، ثم عاد إليها كي يوقف الحرب، من دون أن يبسط السلام، وبينما هو عالق في حرب محتملة، ضد إيران غزا الكويت، دافعاً ثمناً أبلغ من البراميل التي تشفطها الكويت من الحفر المائل الى حقل الرميلة.
مني العراق بواقع مأساوي؛ جراء حروب لبت شغف نفس مهووسة بأحلام بطولة مراهقة، جرَّت على الشعب فقراً وإنهياراً إجتماعياً Sociology يترسب نفسياً في الفرد Psychology.
فمنذ عقود يعاني الشعب العراقي، سلسلة متواصلة من الأزمات التي أثرت بعمق على إستقراره النفسي والاجتماعي، وهو ما خلفته الحروب المتكررة، من عنف طائفي، والفقر، وبطالة.. واقعًا نفسيًا مريرًا، إنعكس على الفئات العمرية كافة، لا سيما الأطفال والشباب.
هذه الأحداث تسببت بتفشي إضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD) لدى المدنيين والعسكريين، وشيوع القلق والاكتئاب المزمن جراء فقدان الأحبّة والعيش في بيئة غير آمنة، وتعرض الأطفال لصدمات نفسية نتيجة مشاهد العنف، والقتل، والنزوح.
ويعد الفقر والبطالة أسباباً مباشرةً للإضطراب النفسي؛ خاصة مع الغصة التي يستشعرها الإنسان العراقي؛ جراء فقره في بلد غني، السلطة فيه تحجب كرامة العيش عن مواطنها.. تذله كي تعطيه أقل من حقوقه البديهية، ففي عهد النظام السابق إضافة ربع كيلو طحين الى الحصة التموينية مكرمة يطبل لها الإعلام والحكومة تطالب الشعب بالنزول الى الشوارع يعبر عن شكره لـ(ربع كيلو طحين) ومكرمة الـ(ربع كيلو عدس في رمضان) إبان عهد حكومات 2003 ما زالت نكتة يتداولها الشعب.
إذلال العيش خلق إحتقان نفسي، شوه البنية المعنوية للعراقي.. ساوء أكان طفلاً أم صبياً أم شاباً أم كهلاً أم شيخاً، كلها بمجموعها تكاثقف على جعل الإنسان حطاماً عراقياً.
الثروات الطبيعية تضافراً مع العقول الأكاديمية والأيدي الماهرة والموقع الجغرافي والسياحة، المفروض أن تُعيِّش ملايين العراقيين فوق خط الثراء وليس تحت خط الفقر، ولا تبقي بطالة خاصة بين فئة الشباب.
وإزاء كل ما ورد أوصي بإطلاق برامج دعم نفسي جماعي في المدارس والمجتمعات، ونشر التوعية حول أهمية الصحة النفسية ومحاربة الوصمة المجتمعية، والعمل على تحسين الظروف المعيشية كخطوة أساسية لتعزيز الاستقرار النفسي.
*عميدة كلية التربية للبنات.. جامعة بغداد.