يحتفظ الزميل طالب الأحمد بذكرى طيبة معي، إذ يعدّني مُشجعاً له عند ولوجه عالم الكتابة القصصية بداية الثمانينيات، حيث وجدت فيه مشروع قاص وروائي منذ أن طالعت قصته القصيرة « نداء المطر». ومنذ تلك السنين غاب عنا بعد أن اختار طريق الهجرة، ولم نلتقِ إلاّ بعد مرور أكثر من أربعين عاماً، لكنه لم ينس تلك الذكرى وهو يهديني روايته التي هي ثمرة تشجيعي له كما كتب في اهدائه على نسختي .. لكن مرايا غرامه تهشّمت للأسف!.
«مرايا الغرام» رواية قصيرة وجميلة، كأنها سيرة شخصية واقعية، موضوعها شيّق وغير مطروق كثيراً في الرواية العراقية، بطلها الصحفي «جواد عبد الكريم» الذي اضطر للهروب من العراق خوفاً من الملاحقة بعد اعتقال حبيبته «مهاد» الطالبة في كلية الهندسة، ليجد نفسه في طهران، قبل أن تُتاح له فرصة العمل مراسلاً لصحيفة خليجية، ثم يلتقي بالصحفية الإيرانية آرزو التي ارتبط معها بعلاقة حب، سرعان ما انتهت بزواجهما، لتبدأ رحلة تداعي الأفكار والذكريات وحيرة القلب الذي يعشق امرأتيّن، الأولى غابت شمسها «لكن وهجها لم يجد سبيلاً للغروب»، والثانية منحته كل ما في قلبها من حب، لكنها قلقة بسبب العقم ومضي أكثر من خمس سنوات على زواجهما ولم يُرزقا بطفل، مما جعلها تشعر بغيرة شديدة عليه «في ايران لدينا مثل شعبي يقول : الرب واحد والزوجة واحدة، الموت سيكون أهون لي من أن أراك يوماً مع زوجة أخرى»، لكنه يحاول أن يطمئنها بأنه لا يفكر إلاّ بعمله الصحفي. والحقيقة أن مهاد تشغل تفكيره وقلبه المنقسم بين حبه لزوجته، وعذاب ذكرى مهاد الغائبة في غياهب المجهول. تبدو الرواية في أقسامها الثلاثة «آرزو أيتها الأمنية» و «رحلة العودة» و «البحث عن مهاد» وفي طريقة سردها القائمة على استرجاع ذكريات الماضي، مثل حكاية غرام ملتهبة ومتواصلة يتداخل فيها الوطن مع المرأة حتى ليصبح احدهما الآخر، فكأن «النساء أوطان لا تغفر حتى خيال الخيانة» .
في الرواية أيضاً، عرض لحال العراقيين في المهجر، وانتقالات ذهنية ومكانية بين إيران والعراق في حقب زمنية مختلفة، وسطور عن تناقض الإيرانيين وازدواجيتهم تجاه رياح الانفتاح التي اجتاحت بلادهم منتصف التسعينيات، وفيها كذلك شيء من أدب الرحلات ووصف المدن «التي تشبه النساء»، فضلاً عن بعض الجوانب الصوفية التي قرعت بقوة طبول الحب بين المهاجر والحسناء. اختار طالب الأحمد أن تبقى نهاية روايته مفتوحة وحزينة كما لو أنها بركان من حنين، فبطلها جواد فشل في العثور على أهله وعلى حبيبته «مهاد»، فيما كانت «آرزو» ترقد في مستشفى القلب «لترقد معها أمنياتي المتوجسة».