رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ظرفاء بغداد أبطال الفكاهة وفرسان التندر


المشاهدات 1334
تاريخ الإضافة 2025/05/11 - 10:26 PM
آخر تحديث 2025/05/15 - 2:11 PM


قيل أن الظرافة والفكاهة والمزاح لا تأتي من البطر وحلاوة الايام ، بل ان أشهر ظرفاء التاريخ كانوا يقاسون الالم والحزن والبؤس في حياتهم العادية ، فهم يطلقون أشد أنواع النكات ويخلقون أقوى المواقف المضحكة من قلوب  يعتصرها الهم والالم والحرمان.
وعادة ما يهرب فقراء الناس من مشكلاتهم الحياتية  بالممازحة والمقالب والقهقهات.   
وطالما عاشت بغداد عبر تأريخها الطويل الويل والثبور من كثرة الاحتلالات ومسلسلات القتل والغزو والمؤامرات وكان الاهالي عادة ما يواجهون الظلم بالمقاومة والثبات ويتصبرون على البلوى بالطرفة والبسمة واللطائف التي تنال من الظالم والمحتل ، ويقول الفرنسي هنري برجسون لا مضحك إلا ما هو إنساني، والنكتة هي محاولة قهر القهر نفسه .. وهي هتاف الصامتين.. إنها نزهة في المقهور والمكبوت والمسكوت عنه .
وطالما زخر تاريخ العراق بالطرفاء والظرفاء والشعراء المازحين فقال الجاحظ في مقدمة كتابه  البخلاء  وهو يصف الضحك مانصه:
( وكيف لا يكون له موقعة من سرور النفس عظيماً، ومن مصلحة الطباع كبيراً وهو شيء في أصل الطباع، وفي اساس التركيب ، لأن الضحك أول خير يظهر من الصبي ، وبه تطيب نفسه، والله ماتركت النادرة ولو قتلتني في الدنيا وأدخلتني النار .
وهناك سلسلة اخرى من الظرفاء مثل الأصمعي ، وأبو حيان التوحيدي، وبديع الزمان الهمذاني، والفرزدق، وجرير، وبشار بن برد، وابو دلامة وأبو العيناء محمد بن القاسم ويقال إنه كان من أظرف الظرفاء وأوفرهم ذكاء وسرعة جواب ، ولا ننسى مقالب  جحا اشهر ظرفاء العرب وأشعب أشهر المتطفلين وحتى أبو الطيب المتنبي كان يهجو ويثير الضحك بهجائه ، ففي احدى المرات وصف واقعة طريفة بعد ان قام شخصان باصطياد جرذ كبير وتفاخرا بالبطولة والبسالة فما كان منه الا ان قال:
لَقَد أَصبَحَ الجُرَذُ المُستَغيرُ
أَسيرَ المَنايا صَريعَ العَطَب
كِلا الرَجُلَينِ اِتَّلا قَتلَهُ
فَأَيُّكُما غَلَّ حُرَّ السَلَب
وَأَيُّكُما كانَ مِن خَلفِهِ
فَإِنَّ بِهِ عَضَّةً في الذَنَب
فيما أشتهر أبو نؤاس بالجرأة والمزاح أذ يقال انه دخل على احد الخلفاء يريد ان ينشده قصيدة طامعاً في بعض المال ولكنه وجد الخليفة مشغولا بجارية دمينة تدعى خالصة، كان يضع الخليفة على عنقها عقداً نفيساً ،ولم يعر ابو نؤاس اي انتباه فخرج وهو غاضباً وكتب على الباب قبل ان ينصرف.
لقد ضاع شعري على بابكم
 كما  ضاع عقد على جيد خالصة
فرأت الجارية الكلام المكتوب فارادت ان توقع به فاسرعت للخليفة مشتكيةً ،فغضب الخليفة وارسل لابي نواس في الحال وعندما حضر كان يعلم الامر وما سيجري له ، فعمد الى الباب ومسح الجزء الادنى من حرف العين في كلمة (ضاع) قبل ان يدخل للخليفة فانقلب الشعر :
لقد ضاء شعري على بابكم 
كما ضاء عقد على جيد خالصة
فبدل ان يعاقبه الخليفة اكرمه لذكائه وفطنته ولطافته.
وفي العصر الحديث زخرت بغداد بالفكاهة والفكهين وأشتهروا حتى صاروا نجوماً في سماء  المجتمع  البغدادي.
ومنهم دعبول البلام وابراهيم عرب وعبد الله الخياط وملا عبود الكرخي وغيرهم . 
وسنحاول سرد بعض حوادثهم ونوادرهم واخبارهم فمثلاً كان دعبول البلام من اشهر البلامين والمعبرجية وذكر خالد القشطيني في كتابه ايام عراقية ان الملك فيصل الاول سأل نوري السعيد كيف يتنزه العراقيون في بغداد ؟
فأشار عليه نوري السعيد برحلة نهرية ليلية وسط دجلة واقترح عليه اجراؤها وهما في حالة تنكر .
وفعلا اختاروا دعبول البلام ليقوم بهذه المهمة من دون ان يعلم من هما ضيفيه ، فانطلقوا من شريعة الميدان بعدها بقليل اخذ دعبول باحتساء الخمر أذ بدا انه لم يتعرف تماما على الشخصيتين .
فصب خمره في طاسة فافون وقدمه للملك فاعتذر الملك كونه لا يشرب فيما قبل نوري السعيد مشاركة دعبول جلسة الشرب وبعد أن تنور وجه دعبول وفعل الخمر فعلته اخذ يشتم الحكومة والباشا والملك والوزراء وينتقد الاوضاع السياسية وفي نهاية الرحلة  قال له نوري السعيد هل تعلم انني الباشا وان صاحبي هذا هو الملك فيصل ؟ فما كان من دعبول الا ان طردهما ورجمهما بسيل من الشتائم قائلا: أمشوا منا كل واحد اخذ له مصة خمر الاول يكول اني الملك والثاني يدعي انه رئيس الوزراء ، في اليوم التالي خطر ببال نوري السعيد أن يرسل بطلب دعبول ويسترسل بالمزحة فلما جاؤوه بدعبول سأله كيف الاحوال ؟ فقال له : الحمد لله بفضل الملك وفضلكم نحن بخير باشا فسأله عن حادثة الامس فرد دعبول متعجباً : هاي شبسرعة وصلتك باشا يمعود هذولة اثنين سيبندية يدعون بيها واحد يكول أني الباشا والاخر يكول اني الملك فصاح نوري السعيد على الحرس: روحوا دوروهم بسرعة وجيبوهم فرد دعبول:  سيدي لا تدوّخ راسك وتدوّر عليهم ما يسوون التعب عوفهم اثنين خايبين واحدهم ما يسوى اربع فلوس!!.
اما ابراهيم عرب فقد كان صاحب مقهى في الاعظمية، ويعد من ظرفاء بغداد، وهو (نفاخ اصلي) من الدرجة الأولى، كان يدعى قدرته على إيجاد الحلول لكل شيء، فى السياسة والاجتماع والاقتصاد وكان يقدمها مجاناً للمسؤولين إضافة إلى أحاديث عن مغامراته في السفر والتجوال التي تفوق الخيال، ومن أشهر تخيلات إبراهيم عرب قوله انه تسلم دعوة من هتلر لزيارة المانيا، فلبى الدعوة وذهب الى المانيا وتم استقباله هناك رسمياً، وبعد وصوله أخذه هتلر بموكب رسمي بجولة في العاصمة برلين مستقلين سيارة مكشوفة..
ويقول ابراهيم عرب: فجأة سمعت شخصين المانيين يتحدثان بينهما ويقولان: هذا ابراهيم عرب افتهمنا .. بس هذا اليمه منو ؟؟ !
وكان هناك عدد غير قليل من المنكتين والظرفاء الذين تميزوا في بغداد ، كعبد المجيد الشاوي  الذي شغل منصب امين بغداد ووزير بلا وزارة في الحكومة النقيبة الثانية والدكتور فايق شاكر والقاضي عبد العزيز الخياط.
                            ( يتبع )…
 


تابعنا على
تصميم وتطوير