مع الإقرار بأهمية مضامين تقرير رصد وتقييم حرية الصحافة الذي أصدرته منظمة (مراسلون بلا حدود) لسنة 2025 ، فإن هذه الوثيقة التي تتحفنا بها هذه المنظمة سنويًا تبقى في حاجة إلى قراءة نقدية موضوعية.
لا أحد يجادل في أهمية ما ذكره تقرير المنظمة فيما يتعلق بالعديد من العوامل التي ساهمت في تردي أوضاع حرية الصحافة في العالم خلال سنة، تأكد فيها أن الأحداث السياسية تؤثر بقوة في مسار وأوضاع حرية الصحافة في العالم، من قبيل اعتبار الهشاشة الاقتصادية لوسائل الإعلام التي تئن تحت وطأة الشركات الكبرى التي تتحكم في عملية توزيع المعلومات، وهي شركات لا تخضع لأي لوائح تنظيمية.ومن قبيل تمركز ملكية وسائل الإعلام التي تفسر التراجع المسجل على مستوى المؤشر الاقتصادي في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، وتدخل ملاك وسائل الإعلام في الأمور التحريرية، وتقييد الاستقلالية والتدخل المباشر لشخصيات سياسية وجهات مقربة من دوائر المال والأعمال في الخطوط التحريرية، وغياب مساعدة الدولة وتقييدها أو تخصيصها بآليات غير شفافة. وغير ذلك كثير من العوامل التي سردها التقرير، والتي كانت سببا مباشرا في تدهور مؤشر حرية الصحافة في جميع دول العالم تقريبا، حسب ما ذهب إليه التقرير. لكن لم يكن خافيا أن تقرير المنظمة تحاشى بصفة متعمدة إدراج عامل الرقابة الذاتية والطريقة التي تعاملت بها دوائر القرار السياسي والعسكري مع حرية الصحافة، وأجبرت هيئات التحرير في الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام العالمية، خصوصا في الدول الغربية، على الخضوع للسياسات الخارجية للدول الغربية والامتثال تحت الإكراه لسياقات وأهداف هذه السياسات.. وإن أشار التقرير بصفة جدا محتشمة لأوضاع حرية الصحافة والصحافيين في فلسطين المحتلة وفي غزة تحديدا، فإنه تعمد تغييب ربط المذابح التي اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحافيين الفلسطينيين وسائل الإعلام في غزة.. فمن جهة لم يتطرق التقرير بصفة مطلقة إلى الحصار الإعلامي الذي تفرضه حكومة الاحتلال عما تقترفه قواتها في غزة ومنعها دخول أي صحافي أجنبي إلى غزة في خرق سافر لأبسط قواعد الحق في الحصول على المعلومة، وهي المنظمة التي تقيم الدنيا وتقعدها حينما يتعلق الأمر بمجرد منع صحافي واحد من دخول دولة أو منطقة في العالم. لكن الأكثر إثارة في تقرير المنظمة هو تغييبها المتعمد مرة أخرى إجبار الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام الدولية، وبالأخص الغربية، على الانخراط في جرائم الحرب والإبادة التي تشنها القوات الصهيونية ضد المدنيين في غزة لأكثر من سنة ونصف، وبذلك تجنب التقرير عن قصد إدراج التعامل مع عدوان يكاد يكون غير مسبوق لقياس مدى احترام حرية الصحافة لاعتبارات لم يعد خافيا أنها سياسية محضة، بالأخص في منطقة بعينها، كما تعمد تغييب مؤشرات قياس مدى احترام حرية الصحافة وواجب وسائل الإعلام في التعاطي مع أحداث عالمية كبرى بكل ما تتطلبه شروط المهنية من استقلالية وحيادية وموضوعية .
وبذلك بقدر ما نعد جزءا مهما من تقرير منظمة (مراسلون بلا حدود)، فإننا نكشف عن جزء مهم من مناطق الظل في هذه الوثيقة التي تعمدت الانتقائية في المؤشرات، وبدأ التقرير في مجمله متناسقا ومنسجما مع ما تتطلبه وتفرضه وتمليه سياسات خارجية لدول قوية معينة .