في ذاكرة الغناء العراقي، أسماء لا تمحى، حملت التراث على أوتار أصواتها، وجعلت من المقام لغة عابرة للطوائف والمناطق. من بين تلك الأسماء، يبرز صوت نقي شجي، انطلق من أعماق ديالى، وتسلل إلى قلوب العراقيين بكل أطيافهم، ليبقى خالداً رغم الرحيل. صلاح عبد الغفور، الفنان الكردي الذي غنى للمحبين والفرح والأرض والوطن، بصوتٍ يحمل من العذوبة ما يُبكي، ومن النخوة ما يُحيي. نستذكره اليوم ضمن سلسلة «ذاكرة عراقية»، كأحد الرموز التي لم تغب عن ذاكرة الطرب الأصيل.
ولد المطرب العراقي صلاح عبد الغفور عام 1953 في ناحية السعدية بمحافظة ديالى، لعائلة كردية الأصل، وكان منذ طفولته يحمل حساً فنياً لافتاً. في عمر الثامنة فقط، تقدم لاختبار الإذاعة والتلفزيون عبر برنامج «ركن الهواة» عام 1961، وأبهر الجميع حين غنى من روائع ناظم الغزالي، فكان ذلك بداية مشواره الفني الطويل.
في عام 1973، التحق بالفرقة القومية للفنون الشعبية، ثم أصبح لاحقاً عضواً في فرقة الإنشاد العراقية، حيث شارك في عدد من المهرجانات والاحتفالات داخل العراق وخارجه. استمر في هذه التجربة لمدة أربع سنوات، ثم قرر أن يطوّر أدواته الفنية، فالتحق عام 1977 بمعهد الدراسات النغمية، متخصّصاً في غناء المقام العراقي والعزف على آلة الكمان.
بعد ست سنوات من الدراسة والتدريب، تخرّج وانضم إلى «فرقة التراث الموسيقي العراقي» التي أسسها الفنان الراحل منير بشير، إلى جانب كوكبة من الفنانين الكبار مثل مائدة نزهت، حسين الأعظمي، فريدة محمد علي، سعدي الحديثي، ورياض أحمد. مع هذه الفرقة، جاب صلاح العالم، حاملاً المقام العراقي إلى مسارح عربية وعالمية، معرفاً الجمهور بصوت بلاد الرافدين العتيق.
لم يكتفِ صلاح عبد الغفور بالمقام وحده، بل قدم أكثر من ثلاثين ألبوماً غنائياً، شملت الأغنية التراثية والعاطفية والوطنية. ومن أشهر أغانيه:
* شلونك عيني شلونك* ولك عرنة ولك خانه* حلوة يالبغدادية* خسرتك يا حبيبي* لا تلوموني* أنت الغلطان* كل يوم لك ميعاد
* ألعب يالاسمر (أغنية رياضية)* كاسك يافلسطين (أغنية وطنية) * بغداد يابغداد* يا ليتني من عرب شمر* أرد أوقف بحي الولف.
وقد بلغ تأثيره حداً دفع كبار المطربين العرب لتقديم أغانيه، ومنهم الفنان التركي الشهير إبراهيم تاتليسس الذي أعاد غناء «شلونك عيني شلونك».
رحل صلاح عبد الغفور في حادث سير مروع بمدينة أربيل مساء يوم الأحد 7 نيسان/أبريل 2013، لكن صوته بقي حياً في ذاكرة العراقيين، شاهداً على مرحلة فنية مزدهرة، وصوتاً لا يشبه إلا العراق بكل تنوعه .