لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو الترفيه، بل تحوّل إلى سلطة متغلغلة في تفاصيل الحياة اليومية للناس. من لحظة استيقاظنا حتى خلودنا إلى النوم، يتسلل الإعلام إلى وعينا، يشكّل آراءنا، ويوجه اختياراتنا. فكيف استطاع الإعلام أن يحتل هذا الدور المركزي في حياتنا؟
مع تطور التكنولوجيا وانتشار الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الوصول إلى المعلومة لحظيًا، وبتكلفة تكاد تكون معدومة. لم يعد الناس ينتظرون نشرات الأخبار، بل يتابعون الحدث لحظة بلحظة، وغالبًا من مصادر متعددة. هذا الانفتاح سهّل للإعلام أن يتواجد في كل لحظة، لكنه أيضًا زاد من قدرته على التأثير والتوجيه.
يتجاوز الإعلام دوره التقليدي في نقل الخبر، إلى التأثير على القيم، والذوق العام، وحتى نظرتنا لأنفسنا والآخر، الإعلانات، الدراما، البرامج الحوارية، ومنصات المؤثرين، كلها أدوات تُستخدم أحيانًا للتلاعب بالعقول وتوجيه الرأي العام. الإعلام لا يخبرنا فقط بما يحدث، بل يخبرنا كيف نشعر حياله.
في السابق، كان للناس خصوصيتهم، أما اليوم، فإن الإعلام خاصة منصات التواصل جعل من الحياة الشخصية مادة استهلاكية، كل حدث صغير يمكن أن يتحوّل إلى “ترند”، وكل شخص يمكن أن يتحوّل إلى مادة إعلامية، هذا التداخل أضعف الحدود بين العام والخاص، وغيّر من مفهوم الخصوصية والهوية الذاتية.
في ظل هذا الزخم، تبرز الحاجة إلى “الوعي الإعلامي” كأداة دفاعية لا يمكن الهروب من الإعلام، لكن يمكن التعامل معه بذكاء، عبر التحقق من المصادر، وممارسة النقد، وعدم الاستسلام للتأثير العاطفي أو الضغوط الجماعية.
احتلال الإعلام لمفاصل الحياة ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا، لكنه يصبح خطرًا حين يغيب الوعي وتُمحى المسافة بين الحقيقة والتأثير لذلك، فإن المعركة الحقيقية اليوم ليست ضد الإعلام، بل من أجل وعي نقدي يستطيع أن يميز بين المعلومة والتوجيه، وبين الخبر والدعاية.