أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأحد الماضي ، فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة ، وبرّر قراره بكون صناعة السينما في الولايات المتحدة تموت موتاً سريعاً جداً بسبب المزايا التي تقدمها الدول الأخرى لجذب صانعي الأفلام وشركات السينما. وشهدت صناعة السينما في الولايات المتّحدة تراجعاً ب 25 في المائة ، ورغم أنّ الأمر لا يتعلّق بتراجع كارثي إلّا أنّ ذلك يعكس التغيّرات الكبرى التي عرفتها مكانة الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي بدأت فعليا في فقدان ريادتها الاعتبارية وأجبرت بالتالي على خوض المنافسة في كلّ المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية .
ودفعت هذه التطوّرات الرئيس الأمريكي الذي يرفع شعار « أمريكا أوّلا وأخيرا» إلى اتّخاذ إجراءات استباقية في كلّ هذه المجالات ، وتهدف إجراءات ترامب إلى التضييق على كلّ اقتصاديات دول العالم لمزيد إضعافها دون تفريق بينها . وبالتوازي أعلن دونالد ترامب الأحد الماضي عن زيادة ميزانية الدفاع لتتجاوز الألف مليار دولار ، وهو رقم يبدو غريبا بالنسبة لرئيس وضع مسألتي فضّ النزاعات والسلم الدولي في مقدّمة برنامج حكمه ، ويبدو لذلك أنّ تضخيم النفقات العسكرية يُراد منه بناء القوّة العسكرية الأقوى وغير القابلة للمنافسة وذلك للعب الدور الردعي الذي يمكّن الولايات المتحدة من فرض تصوراتها وسياساتها ومصالحها على باقي دول العالم، وعلى اعتبار أنّ إستعراض القوّة هو السبيل الوحيد لفرض السلام . وبالطبع فإنّ هوس ترامب بهذه الريادة الأمريكية لن يكون ممكنا دون أداة ثقافية قادرة على إعادة إحياء مشروع «الحلم الأمريكي» وهو حُلْمٌ لعبت فيه السينما الأمريكية الهوليودية دورا أساسيا وحاسما في بعض الأحيان ، ما يدفع ترامب إلى التفكير بجدّ في كيفية عودة الروح والتألّق إلى هذا «السلاح الثقافي» الخطير . وإذْ تبدو إجراءات ترامب في عمومها تكتسي طابعا عشوائيا وفي قطيعة مع حقيقة وواقع العلاقات الدولية ، إلّا أنّها يمكن أن نقرأ فيها الطموحات القصوى لأيّ أمريكي بقطع النظر عن الانتماء السياسي ، وهي لذلك إجراءات ، الغاية منها تثوير الإدارة العميقة التي تحكّمت إلى حدّ الآن في السياسات الأمريكية وتركيز إدارة تؤمن فعلا بالحلم الأمريكي وتقطع نهائيا مع « حالة الشلل والتكلّس « التي وصلت إليها الإدارة الأمريكية . وإنّ ما يبدو من عفوية وارتجالية في بعض لا ينبغي لها أن تخفي حقيقة أولى ساطعة ، وهي أنّ الدولة «الأعمق» أي مختلف الأجهزة والمؤسّسة العسكرية ترصد بدقّة ما يعتمل في الولايات المتّحدة وتخطّط لكلّ السيناريوهات المستقبلية وهي تواكب ما جرى ويجري ولن تسمح بأيّ مغامرة يمكن أن تهدّد في العمق الوجود الأمريكي
الحقيقة الأخرى هي أنّ بناء الحضارات والأمم كلّ لا يتجزّأ ، فيه الاقتصاد وفيه السياسة وفيه القوّة العسكرية وفيه منظومة القيم ، ولا يستقيم كلّ هذا دون سند ثقافي .