رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
صباح عطوان: أعاني من التحجيم والتهميش من قبل المؤسسات الإنتاجية


المشاهدات 1546
تاريخ الإضافة 2025/05/04 - 8:56 PM
آخر تحديث 2025/05/09 - 8:39 PM

* لم أجد داعيًا لتقديم نبذة عن الكاتب العراقي الكبير صباح عطوان، فهو اسم تجاوز حدود التعريف، وعملاق درامي لا يختلف عليه اثنان. بأكثر من 71 مسلسلًا عُرضت على شاشات العراق والخليج، وأكثر من 91 سهرة درامية، و30 مسرحية، وقرابة 20 فيلمًا، شكّل صباح عطوان مدرسةً درامية متفردة، أرّخت لتحولات المجتمع العراقي، وكشفت عيوب السلطة، وغاصت في هموم الإنسان من الهور حتى المدينة.
صباح عطوان ليس مجرد كاتب، بل ذاكرة حيّة للدراما العراقية، وضمير إبداعي يكتب بصدق لا يُهادن. التقيناه عبر الهاتف من بغداد وهو في غربته الهولندية، فأجاب على أسئلتنا بكل صراحة وحرقة، حتى ساعات الفجر الأولى.
* في أعمالك تنوعٌ لافت في الموضوعات، من الريف إلى المدينة، من الجريمة إلى الطب، ومن العادات إلى الفلسفة. هل تستعين بمختصين حين تكتب عن مجالات علمية أو اجتماعية دقيقة؟
- الكتابة المتنوعة ليست ترفًا، بل هي انعكاس لشخصية تشكلت من قراءات واسعة وتجارب معيشة في بيئات متعددة منذ الطفولة. أنا ابن بيئات مختلفة، تأثرت بها وعشتها، ومن الطبيعي حين أكتب عن مهنة الطب أن أستشير الأطباء، وعند تناول موضوع قانوني ألجأ إلى رجال القانون، وإذا كتبت عن الزراعة أستعين بالمهندسين الزراعيين، وعن الريف أستفسر من شيوخه. لا أستنكف عن سؤال بائع الشلغم في عربته؛ فالمعرفة موزعة على الناس.
* هل تكتب بما يُمليه عليك ضميرك أم حسب ما يُطلب منك؟
-  لم أكتب يومًا ما لا أؤمن به. حتى «ملجأ العامرية» كتبته عن قناعة تامة، وهو فيلم يفضح جريمة ارتكبتها الولايات المتحدة بقتل أكثر من 450 إنسانًا. أنا كاتب مباشر وصريح، لا أجامل ولا أساوم، وأعمالي التي تتجاوز 1500 عمل في المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة والصحافة، تشهد على هذا النهج.
* هل تجد الراحة في هولندا أكثر من العراق؟ ولماذا؟
-  هولندا منحتني الأمان بعد أن واجهت الملاحقة في بلدي، لكن قلبي ينزف على العراق. كنت كاتب الشعب في زمن الديكتاتورية، وأصبحت مضطهدًا في زمن الحريات. أليست هذه مفارقة موجعة؟ يُمنع إنتاج أعمالي في بلدي رغم أنها مجازة وموجهة لعلاج مشكلات الواقع العراقي. لقد أصبحت الغربة مأوى لأفكاري، لكن العراق في القلب دومًا.
* أنت تكتب عن العراق وأنت بعيد عنه.. كيف تُبقي النص نابضًا بالحياة؟
-  لا أكتب من خيال أو حنين مجرد. أتابع يوميًا ما يجري في العراق من خلال وسائل الإعلام، أتألم، أفكر، أُحلل، وأكتب. الغربة لم تقطعني عن الوطن، فأنا من ترابه، والبعد الجغرافي لا يلغي الانتماء الروحي.
* هل تساعدك الحياة المنظمة في الغرب على مقارنة الواقع العراقي؟ وهل فكرت في عمل درامي عن هذا التباين؟
-  أنا منظم بطبعي، ومن قبل أن أهاجر. عقلي منضبط، وأفكاري مرتبة، وتحول المكان لا يغيّر هذا. لكن بالطبع، الاختلاف الحضاري الهائل بين ما أراه هنا وما يحدث في العراق يدفعني إلى الكتابة، والمقارنة تفرض نفسها.
* بدأت في المسرح ثم انتقلت إلى الإذاعة ثم التلفزيون، لماذا هذا التحول؟
-  بدأت بالمسرح عام 1958، وكان عمري 14 عامًا، بأول نص متكامل عنوانه «نهاية إقطاعي». ثم كتبت للإذاعة مسلسل «أبناء الأرض» عام 1970، وقبضت 40 دينارًا تزوجت بها. بعدها طلبني التلفزيون، فكتبت «طيور البنجاب»، ورفضوها، لكنهم عادوا ووافقوا بعد دورة سيناريو تفوقت فيها على 80 دارسًا. كان المحاضر المصري الكبير علي الزرقاني، رفع يدي، وقال: «هذا أمل السينما في العراق». فبدأت رحلتي في التلفزيون، وحققت أعمالًا ضخمة مثل «أجنحة الرجاء» التي لا تزال تُعد من أفضل ما أُنتج.
* بدأت كممثل ثم أصبحت كاتبًا، ما سبب هذا التحول؟
-  كنت قارئًا نهمًا، ونهلت من الأدب العربي والغربي، قرأت الفلسفة والنفس والتاريخ، ووجدت في الكتابة صوتي الحقيقي، فتحولت إليها بشكل طبيعي.
* هل استلهمت نصوصك من أعمال أدبية عالمية؟
-  أبدًا. لم أقتبس من أحد، ولم أعد صياغة أي عمل. لدي خزان هائل من الأفكار، والكم الذي كتبته شاهد على ذلك.
* هل ترى نفسك في كل ما تكتب؟
-  نعم، أنا حاضر في كل حرف أكتبه.
* هل منعت لك أعمال معينة؟ ومتى؟
-  في زمن النظام السابق مُنع لي مسلسل «لا وقت للشفقة»، وتمثيلية «أنفان لرائحة واحدة»، وثلاثية «الرجل الذي أحب». واليوم، في زمن «الحريات»، مُنع مسلسل «القوت والياقوت» رغم أنه جاهز ومنتَج منذ اكثر من عام!
* هل تتبع نهجًا أكاديميًا في كتاباتك؟
-  بالتأكيد. كتاباتي مبنية على أسس علمية، درست المدارس العالمية للسيناريو والمونتاج من بورتر عام 1903 حتى الآن، وأنا مستعد لشرحها لك شفويًا لو أردت.
* برنامج «حذار من اليأس» الإذاعي لا يزال حاضرًا في الذاكرة.. لماذا لم تواصل؟
-  كتبته 12 عامًا متواصلة ونجح، لكنه ارتبط بمرحلة. أما الآن، فاليأس أعظم من أن ترفعه برامج.
* كيف كنت تمرر رسائلك رغم الرقابة؟
-  كنت أوزع الأفكار المحظورة على مشاهد متعددة، تتجمع في ذهن المشاهد، وتوصل الرسالة دون صدام مباشر مع الرقيب.
* هل أنصفتك الجهات الرسمية ككاتب دراما؟
-  أبدًا. الممثل العراقي مظلوم لأنه لا يجد نصًا عظيمًا يُبرز طاقاته، والمخرج لا يسطع دون نص عميق. الدوائر الرسمية تهمّشنا، وتعطي المجال لغير أهل الكفاءة.
* من هم أبرز المخرجين الذين عملت معهم؟
-  كُثر، أبرزهم إبراهيم عبد الجليل، خليل شوقي، حسن حسني، عمانؤيل رسام، كارلو هاريتون، صلاح كرم، نبيل يوسف، فاروق القيسي.
* هل سُرقت أفكارك؟
-  نعم، فنان عراقي معروف سرق أحد أعمالي عام 1997، وفضحته الصحف، فاعترف واعتذر.
* ما جديدك واخر ما لديك وانت في الغربة يا صباح ؟
- الحقيقة عرض لي في العام الماضي مسلسل القوت والياقوت، ثم عرض لي عمل آخر اسمه اقوى من الحب.
وأيضاً، أخذت بعض الشركات أو الجهات أعمالا جديدة لي، هو ذئاب الليل الجزء الثالث إلى قناة دجلة اشتروه مني، من المؤمل حسب ما أبلغوني أنهم سيبدأون في إنتاجه في هذا العام. 
كذلك عندي عملان أمام شبكة الإعلام العراقي. واحد اسمه طاولة 36، والثاني اسمه عيون الليل. والعملان حسب ما جاءني اتصال من السيد المخرج أو من جهة يعني من هناك بأن هذه الأعمال أجيزت وتنتظر إنتاجها. هذا على صعيد الأعمال، لأن أعمالي مقلة في الفترة الأخيرة، لأن هناك تجاهل للكتاب، ، الكتاب الذين كتبوا تاريخ العراق الدرامي الحقيقي، المشهور، والمدون، والذي أصبح تراثا كلاسيكيا.. فـبالرغم من أن أعمالي الآن منتشرة في الفيسبوك وتفتح التيك توك واليوتيوب،  وهي أعمال عمرها 40 سنة وأكثر.ذئاب الليل، عالم الست وهيبة، الأماني الضالة، تشوف عنفوان الأشياء، بعيداً عنهم، أي عمل من أعمالي  القديمة،بعضها تعود إلى عام 83، يعني 40 سنة وأكثر من 40 سنة عمرها، ولا تزال هي المتداولة.زد على ذلك القنوات العربية الخليجية عرضت أعمالي خلال السنتين الماضية، وعرضت لي قناة ذكريات ما لا يقل عن عشرة أعمال، فضلا عن عدة مسلسلات، والقناة القطرية أيضاً عرضت لي عملين، واحد منهم فتاة في العشرين، يعني أنا في الجو، رغم انني تقريباً محجم، ومهمش من قبل المؤسسات الإنتاجية بالعراق، لاسيما الرسمية منها.ولا اعرف من هو المسؤول عن ذلك.
 زد على ذلك إن رصيدي من الأعمال المنجزة واللت باتت تراثا كلاسيكيا أخذت فيه أكثر من 60 دكتوراه.. وأعمالي حوالي 1200 ساعة دراما، وعندي 51 مسلسلا تلفزيونيا، 49 سهرة دراما، 16 فيلما، 30 عملا مسرحيا، ثمانية كتب، وأعمال ومقالات نقدية للجرائد والمجلات.لدي أعمال في الإذاعة أكثر من 1200 أو إلى 1600 عمل إذاعي، منها برامجي المشهورة: حذاري من اليأس، والأساطير الذهبية، والمرآة والقنديل، وصفحات من التاريخ العربي، ومعارك العرب.والمسلسلات الشهيرة مثل أبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والمتمردون، وطرشك فلح، ومحمد القبانجي، وسبعة أيام في الحجاز. هذه كلها أعمال، ومنها مثلا عملاق الرغبة، فتاة في العشرين، جرف الملح، أيام ضائعة، هذه كلها أعمال إذاعية لكن التلفزيون هو من كان يطلب مني أن أحولها إلى الإنتاج التلفزيوني، هذه هي صورة مصغرة عن الواقع الذي أتكلم فيه.
أعمالي أخذت جوائز عالمية في كل مكان، في موسكو أخذت جائزتين، في مهرجان القاهرة أخذت الذهبية الكبرى بعالم الست وهيبة عام 2000، في مهرجان تونس التلفزيوني أخذت السيناريو أيضاً عن فيلم الوارثة أخذت الجائزة الذهبية أيضاً عام 87، وهكذا.. لدي أعمال كثيرة جاهزة ومجازة وممنوعة من الإنتاج. منها مسلسل من 30 حلقة عن الإرهاب، ومسلسل «أكباد الأرض» عن مشكلات الشباب.
يبقى ان نقول لقد كان صباح عطوان في حديثه لجريدتنا الزوراء صريحًا حتى المرارة.. حملت كلماته غصة، وبدت نبراته كمثقف مهمّش في وطنه، بعد أن كان رمزًا للدراما فيه.. فهل جزاء الإبداع أن يُقصى؟ وكم صباح عطوان نملك، لنحجب أعمالهم عن الناس؟!


تابعنا على
تصميم وتطوير