رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
تآكل الديمقراطية


المشاهدات 1539
تاريخ الإضافة 2025/05/04 - 8:53 PM
آخر تحديث 2025/05/09 - 8:39 PM

يرى  الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد أن كل نظام سياسي يكون من شكل واحد يخضع لدورة ثابتة يبدأ في من نقطة ضعف أو فراغ سلطوي، ثم يحقق صعوداً بالإعتماد على شرعية زائفة أو كفاءات نخبوية حتى يصل لذروة فاعليته. وبعدها يبدأ بالإنحراف بسبب تناحر القوى السياسية من أجل مصالحها، فيتحول النظام الملكي الى إستبدادي، والأرستقراطي الى حكم أقلية ضيقة، والديمقراطية تتجه نحو سطوة «الغوغاء» لتنشر الفوضى في الدولة حيث يستبد الرأي الجمعي والجماعات الضاغطة على المؤسسات السياسية، فتُضعف المؤسسات الرقابية وتغيب سلطة القانون.وبذلك تُرجع هذهِ النظرية الفساد الى تناحر القوى السياسية على السلطة والنفوذ، ولا تعود بالسبب الى التفاوت الطبقي أو الإقتصادي. مما يجعل دورة النظام السياسي التي تحدث عنها فرضية طبيعية وقانون ثابت، تفرضه ديمومة المصالح المتضاربة.
أما «شيشرون» الفيلسوف والسياسي الروماني المتأثر ببوليب، فقد أضاف بُعداً دستورياً لهذهِ الدورة حيث وصف الأنظمة السياسية بمراحل تراتبية تبدأ بالملكية الدستورية القائمة على توافق إجتماعي وسياسي، وتنتهي بالفوضى الناتجة من الديمقراطية المنحرفة عن مبادئها. لتفضي الى مرحلة يُفرغ فيها القانون من مضمونه لصالح فئات دون أخرى.
وإذا نظرنا الى معنى «الفوضى» في أدبيات الفلسفة السياسية، نجد أنها مشتقة من الكلمة اليونانية «kaios» ذات الدلالة على غياب السلطة، أي حُكم «القطيع» خارج إطار القانون والعادات الجامعة. وهذا التعريف يتسق مع الفوضى كمظهر تاريخي حين تعجز الدولة عن أداء وظائفها، فتفقد قدرة توجيه المجتمع نحو مسارٍ مستقيم وتنتشر العشوائية السياسية والإجتماعية. وتبدو هذه الرؤية قابلة للتطبيق اليوم أكثر من أي وقت مضى، لاسيما إذا ألقينا نظرةً على تجربة العراق منذ عانم ٢٠٠٣ حتى اليوم. إذ بدأ العراق ببناء دولة مدنية ديمقراطية خلال العقدين الماضيين وشهدت هذهِ الفترة تنقلات دراماتيكية أضحت أزمات عميقة بفعل القوى السياسية، فقد أصبحت الإنتخابات محور النظام السياسي فقط، والإنقسام الطائفي والقومي يهيمن على الهوية الوطنية، فتحولت الولاءات الوطنية الى ولاءات حزبية وجماعات مسلحة تفرض مصالحها بقوتها لا بقانون الدولة. وقد غذى هذا الواقع المتخلف سياسياً  نظام المحاصصة الذي همش الكفاءات وأضعف الأداء الحكومي بتحقيق وظائفه، فترسخ مفهوم أزدواج السلطة بين قرار الدولة وقرار اللادولة. فضلاً عن تزايد عجز توفير الخدمات العامة بسبب توسع الفساد في كافة القطاعات، وحتى حرية التعبير أصبحت مكبلة بقيود سياسية وميدانية في ظل الواقع العراقي المربك حالياً.
إن تجاوز الفوضى والخروج من دوامتها ليس بالأمر المستحيل أو الصعب على الإرادة الحكومية العراقية، إذ يكمن بداية الحل بإستعادة ثقة المواطن بالإنتخابات بضمانات حقيقية ونحن على أبواب إنتخابات برلمانية نهاية العام الحالي. كما يمكن بناء هوية وطنية تتجاوز الإنقسامات الطائفية بمناهج تعليمية تعزز مفاهيم المواطنة وتحيي الإرث الثقافي المشترك بين أبناء البلد، بالإضافة الى تعزيز مؤسسات الدولة بتنقية الحياة السياسية والحكومية من تدخلات الجماعات المسلحة بفرض القانون الذي يحصر السلاح بيد الدولة ويحفظ سيادة الدولة. وكذلك إشراك المجتمع المدني في الرقابة وصياغة القرارات لإستدامة الإصلاح في تحويل المواطن التقليدي الى مواطن عضوي وفعال في مجتمعه.
إن ما حذر منه يوليب وشيشرون قبل قرون يتجسد في واقعنا العراقي، والفوضى تهدد الدولة وتفقدها مقومات بقائها. وعليه فإن دروس التاريخ والمناهج الفلسفية للأمم الماضية أوجدت المشكلة والحل لما نواجهه سياسياً في وقتنا الحاضر، والقيادة الحكيمة هي التي تحقق وجود دولة قادرة على إستيعاب طموحات مواطنيها وتتجاوز أزماتها المختلفة بثبات وقدرة عاليين.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير