رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
محطات مثيرة من قطار الموت الشهير ...الدكتور رافد صبحي أديب بابان أنموذجاً


المشاهدات 1282
تاريخ الإضافة 2025/04/27 - 9:26 PM
آخر تحديث 2025/05/09 - 8:11 PM

مواليد العراق عام ١٩٢٣ .. تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت كلية الطب سنة ١٩٥٠ .. منح إجازة التسجيل بالرقم ٦٤٧ سنة ١٩٥٠ ..شهادة(F.R.C.S.E.D) من انكلترا زميل كلية الجراحين  في ادنبرة .. طبيب عسكري يعمل على ملاك  وزارة الدفاع/ الأمور الطبية منذ تخرجه لغاية ١٩٥٤ ليعمل في مستشفى  الرشيد العسكري  .وكانت لديه عيادة خاصة في بغداد (ولادة ونسائية )..اوفد لغرض الدراسة والتخصص الى انكلترا وعاد عام ١٩٥٧ بعد ان حصل على أعلى شهادة في الجراحة .. عاد للعمل في مستشفى الرشيد العسكري لكون دراسته كانت على نفقة وزارة الدفاع.. محلة الاقامة الأولية في بغداد راغبة خاتون .. عمل طبيبا اختصاص في مستشفى الرشيد العسكري لغاية عام ١٩٦١ .. نقل عيادته الخاصة الى شارع المستنصر، هاتف العيادة ٨٣٦٧٤ عمارة صبري عطية انقطعت أخباره منذ عام ١٩٦٢. حيث إنتقل محل الاقامة إلى دور المعلمين في العطفية واخر عيادة له في الباب الشرقي عمارة ميناس عام ١٩٦٢ .. الدكتور رافد صبحي اديب بابان كان من بين اسماء معتقلي  قطار الموت الشهير(حوالي 160) موقوفا وسجينا سياسيا من صناع ثورة 14 تموز 1958 ، من بينهم العقيد الطبيب عبد السلام بالطة، المقدم الدكتور قتيبة الشيخ نوري، الرئيس الاول الطبيب سعيد عزيز،الدكتور عبد الصمد نعمان،طبيب الاسنان فاضل الطائي، وآخرين، الرابع من تموز 1963، بعد 24 ساعة من  فشل حركة الجندي الشجاع حسن سريع في معسكر الرشيد.
عرف الشعب العراقي - قطار الموت - هذا الاسم الذي يهز الضمير البشري لمجرد سماعه، عرف العراقيون هذا المصطلح بعد انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963، ويعد قطار الموت من ابرز طرق التعذيب الجماعية التي ابتكرتها السلطات الحاكمة - حكومة 8 شباط الفاشية - قطار الموت عبارة عن عربات - فاركونات - مخصصة لنقل البضائع والمواشي، شبيهة بعلبة حديدية صماء محكمة الاغلاق بلا نوافذ ولا مقاعد حيث كان المنفذ الوحيد للهواء الخارجي داخل العربات هو الشقوق الضيقة جداً الموجودة أحياناً بين أبواب الفاركونات واطاراتها علماً ان هذه العربات غير مبطنة من الداخل بمواد عازلة أو واقية من تسرب الحرارة أو البرودة، اما بالنسبة إلى الأرضية وبعض الجدران من الداخل فكانت مطلية بمادة القير الذي هو اسوأ من الحديد العادي، وكانت هذه العربات مقفلة معتمة توحي بأنها فعلاً لنقل البضائع والماشية وان بعض العربات كانت اشبه باسطبل أو طولة حيوانات متنقلة. أما بالنسبة للحرارة والبرودة فالعربات كانت حارة جافة عند ظهور الشمس وباردة قاتلة في غيابها، يصف الكاتب المرحوم الدكتور علي كريم سعيد ركاب قطار الموت على انهم لحوم بشرية في قدر مغلق.
بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963 زج برموز نظام الزعيم عبد الكريم قاسم وكبار ضباط الجيش ولفيف من الادباء والمفكرين في سجون السلطة التي اشتهرت بقسوة سجانيها وشدة بطشهم، ومن اشهر تلك السجون سجن رقم (1) في معسكر الرشيد وسجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان في السماوة، هذه السجون التي آوت مجموعة كبيرة من الرموز الوطنية الذين تلقوا فيها ابشع واقسى أنواع التعذيب على ايدي دعاة القومية العربية والذين كان من ابرزهم الرئيس الأول حازم الاحمر مسؤول سجن رقم (1) الذي عرف بشدة قسوته وباستخدامه كافة أنواع التعذيب لنزلاء السجن انذاك. لاقى نزلاء سجن رقم (1) بعد حركة معسكر الرشيد التي اقترنت باسم النائب العريف حسن سريع اشد وابشع ما لاقوه حيث جاء في صبيحة 3 تموز 1963 صدور مرسوم جمهوري يقضي بترحيل النخبة الوطنية المعتقلة في سجن رقم (1) إلى سجن نقرة السلمان، وفعلاً جمع المشمولون بالمرسوم وهم لا يعلمون إلى اين ذاهبون، لا يعلمون ان اسماءهم قد حددت وفق مرسوم جمهوري المراد منه قتلهم جميعاً ولكن اتفاق قادة النظام على نقلهم بواسطة قطار الموت الجماعي المبتكر وان لم يموتوا فسيعدمون في سجن نقرة السلمان على يد الزعيم عبد الغني الراوي الذي كان من المفترض ان يعدم (500) من سجناء رقم (1) والذي خفض فيما بعد إلى (300) ومن ثم إلى (150) ونهاية بـ(30) ولقلة العدد رفض الجلاد عبد الغني الراوي ان يذهب إلى السماوة وينفذ الامر.
اما عبد السلام عارف وطاهر يحيى ورشيد مصلح واحمد حسن البكر، فكانوا يشرفون على عملية نقل السجناء في قطار الموت في محطة القطار العالمية في بغداد بعد صدور المرسوم الجمهوري وتحديد اسماء المعتقلين المراد ترحيلهم من النخبة الوطنية المعتقلة في سجن رقم (1) فعلا تم جمعهم وتقييدهم الواحد بالاخر وجهزت المركبات - الباصات- المراد نقلهم بواسطتها إلى محطة القطار العالمية، وفعلاً تم نقلهم ليلاً وهم لا يعلمون إلى اين سيقتادهم سجانوهم فبعض منهم يقول انهم ذاهبون إلى ساحة ام الطبول لتنفيذ حكم الاعدام بهم واخر يقول سيفرجون عنهم ولكن عند وصولهم إلى محطة القطار العالمية تفاجأوا بوجود قوة كبيرة من الجيش والحرس القومي كانوا قد فرضوا طوق على المحطة وقد لوحظ وجود بعض اقطاب النظام انذاك، وقد ذكر الضابط محمود الجلبي عضو محكمة الشعب (بأنه قد رأى عبد السلام عارف وطاهر يحيى ورشيد مصلح واحمد حسن البكر) وكانوا ظاهرين بشكل ملحوظ وهم يشرفون على عملية صعود المعتقلين إلى قطار الموت. يصف الدكتور علي كريم سعيد صعود المعتقلين إلى قطار الموت : كأن الراكبين ليسوا ببشر بل حيوانات أو بضائع تود الحكومة نقلهم.
 وبعد الانتهاء من عملية صعود المعتقلين إلى داخل القطار غلقت الأبواب الحديدية وبدأت رحلة الموت المحتم بقيادة السائق عبد العباس المفرجي الذي تسلم القطار بصورة غير طبيعية وغير معتادة واقتاد القطار وبصحبته الضابط المسؤول عن القطار وعدد من الحرس برحلة تزيد مسافتها عن 300كم من بغداد إلى السماوة وكانت التوجيهات تفرض على المفرجي بأن يسير بأقل سرعة ممكنة وهو لا يعلم ما سر حمولته متوقعاً كونها حمولة بضائعية خاصة.
دور وطني في إنقاذ أرواح السجناء الأبطال
رحلة القطار كانت رحلة عصيبة على رموز النضال الوطني العراقي تحت تأثير الحرارة القاتلة في فاركونات الموت المحقق وبخار القير (الزفت) وحرارته اللاهبة، وبدأوا يتساقطون الواحد تلو الاخر من شدة الاختناق والارهاق وقلة الأملاح التي فقدتها اجسادهم ، وهنا لعب الضابط الدكتور رافد صبحي دورا كبيرا بإعطائهم نصائحه الطبية وانقذ الكثير من الموت المحتم.
و عند تواصل قطار الموت بمسيرته من بغداد إلى السماوة وهو يسير وفق التوجيهات وبعد أن قطع ما يقارب 160 كم عند توقفه في احدى المحطات في منطقة المحاويل، الصدفة أو الحظ قد حالف النخبة مرة أخرى،حيث صعد ثلاثة اشخاص وابلغوا المفرجي بسر حمولته، وانهم ضباط عبد الكريم قاسم  وما ان عرف بهذا السر حتى ارسل مسرعاً مساعده ليتأكد من صحة المعلومة. وهنا اكد  المساعد صحة المعلومة وهو يصيح مصفرا ( الحك الحجي صدك).. بعد أن تاكد المفرجي من الامر وأصبح امام حالة إنسانية بالدرجة الأولى ووطنية، شعر بأن ارواح هذه المجموعة امانة في عنقه وعليه ان يقف وقفه مشرفة ، وهنا ظهرت عراقية هذا الرجل ووطنيته في اتخاذ موقف حاسم ، وان ينطلق بسرعة كبيرة جداً لانقاذ ارواح المناضلين الذي في عهدته وحتى انه لم يقف في المحطات المتبقية المقرر الوقوف فيها.
 ويقول بعض ركاب هذا القطار ان السائق انطلق بسرعة فائقة جداً حتى ان كادت العربات تنقلب من السرعة، وبهذا يكون المفرجي قد خالف الاوامر والتعليمات التي كان من المفترض ان يطبقها ووصل بذلك قبل الوقت المحدد إلى محطة قطار السماوة وبهذا كان المفرجي يخوض سباق مع الموت.
الوصول إلى السماوة
بعد ثلاثين ساعة من انطلاق شرارة معسكر الرشيد وصدور المرسوم الجمهوري ونقل النخبة الوطنية من سجن رقم (1) إلى المحطة العالمية حتى وصولهم إلى محطة قطار السماوة كانت اشد واقسى الاوقات التي عاشها المناضلون بين يدي الزمرة الحاكمة انذاك خلال اليومين 3-4 تموز 1963، وبفضل السائق المفرجي وصلوا المحطة قبل 2 ـ 3 ساعات التي ساعدت على انقاذهم من الموت المحتم الذي اقرته السلطة بموجب ذلك المرسوم المعادي لجميع رموز ومناصري الزعيم عبد الكريم قاسم.
 وبهذه الظروف العصيبة وعند الوصول إلى محطة قطار السماوة كانت الحشود الجماهيرية بانتظار النخبة الوطنية المناضلة في ذلك القطار لتقديم المساعدة لهم والوقوف إلى جانبهم وانقاذهم من مصيبتهم المحتمة التي لم يشعر بها احد سواهم. ويقول الضابط محمود الجلبي عضو محكمة الشعب عن وضعهم عند النزول من القطار قائلاً : (عند توقف القطار في محطة السماوة كان الكثير منا قد فقد الوعي والبعض لم تحمله قدميه ولايستطيع السير على قدميه وعلى سبيل المثل الضابط نادر جلال الذي فقد الوعي وتوفي وهو مريض ايضا بمرض الربو، ولم استطع ان انسى مناظر الجماهير التي كانت حاضرة لمساعدتنا والتي حذرها الاطباء المعتقلون الذين كانوا معنا من أن يعطون ماء وحده بل يعطون ماء مع ملح لكي نعيد اتزاننا الذي كنا فاقديه جميعاً ولو كنا قد شربنا الماء لوحده لكان الموت حليفنا.. و من ركاب هذا القطار العقيد ابراهيم حسن الجبورى والعقيد حسن عبود والعقيد سلمان عبد المجيد الحصان والمقدم عدنان الخيال والمهندس الضابط عبد القادر الشيخ والرئيس صلاح الدين رؤوف والضابط يحيى ناد، والضابط محمود جعفر الجلبي عضو محكمة الشعب معتقل في سجن رقم (1) وسجن بعقوبة ونقرة السلمان الضابط لطفي طاهر( شقيق المرافق الضابط الشهيد وصفي طاهر) الضابط ساجد نوري حماية الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، الضابط نوري الونة، الضابط غضبان السعد، الضابط غازي شاكر الجبوري، الضابط ابراهيم الجبوري، الضابط عبد السلام بلطة، الضابط الطبيب رافد صبحي اديب، الضابط الطيارعبد النبي جميل، الضابط الطيار حسين علي جعفر، الضابط طارق عباس حلمي، الضابط عزيز الحاج محمود. اما من المدنيين الراكبين فكان (مكرم الطالباني، عزيز الشيخ محمود، عبد الوهاب الرحبي، كريم الحكيم، الدكتور احمد البامرني، علي حسين رشيد، جميل منير العاني، شاكر القيسي، حامد الخطيب، فاضل الطائي، عبد الصمد نعمان، علي ابراهيم).. هذه الرحلة التي عاشها هؤلاء المناضلون الذين لم ينظر اليهم فرد من الحكومة ليكرمهم سياسيا واجتماعياً ولم يذكرهم احد من صحافيينا أو كتابنا أو محطاتنا الفضائية وعرضهم إلى الشعب العراقي والعربي ليتعرف عليهم وينظر الى ما عانوا.
لقد ساهم الشهيد رافد صبحى بإنقاذ السجناء وخاصة في قطار الموت وعند وصول السجناء الى السماوة وقد سمى السياسي حمدى ايوب موقف اهل السماوة بأنه انتفاضة السماوة الصامتة، حيث احضروا المياه المثلجة والحليب والمشروبات الغازية ولكن الدكتور رافد صبحي والاطباء الاخرين منعوا السجناء من شرب المياه الباردة وطلبوا احضار الماء الدافىء والملح وبسرعة البرق عادوا يحملون الملح والماء الدافىء بالطشوت والسطول ورشوا على السجناء وشربوا المياه المالحة لتعويضهم عما فقدوه من الاملاح وهذا بفضل نصائح رافد صبحي وتعالى بكاء النساء وولولة الرجال الذين اشتبكوا مع الشرطة المحلية، وابتعدوا عن هذا المشهد الانساني المعبر النادر الوقوع وتحدث معهم بعض الضباط السجناء وعرفوا مكانتهم العسكرية، وطبخت النساء وخبزت الخبز واستأجر سيد طالب شاحنة لمرافقة الرتل الى سجن السلمان الصحراوي مع مواد عذائية ورز وسكر ودهن وتمر.
الدكتور رافد صبحي أديب كان جراحاً ألمعياً، عمـل استشاري جراحة المسـالك البوليـة في مستشفى في بريطانيــا الى حين تقاعده وكان أبو دلير ايضاً فناناً ورساماً له أعمال فنية جميلة .. لقد كان الفقيد رجلاً مبدئياً لم يكن ليغير ألوانه، وقال لصديقه العزيز الدكتور فواز غازي حلمي في زيارة له قبيل وفاته أنه شيوعي وسيبقى شيوعياً.
 كان الفقيد فوق المذهبية والعرقية وكان عراقياً صميمياً. وكان من ركاب قطار الموت من بغداد الى نقرة السلمان مروراً بالسماوة وقد اشتهر الفقيد الغالي بإجراء عملية جراحية للزائدة الدودية لأحد رفاقه ركاب قطار الموت وهم في طريقهم الى سجن نقرة السلمان المشؤوم بدون تخدير وببراعة نادرة يتندر بها رفاقه الى يومنا هذا .
 سيبقى الدكتور رافد صبحي أديب خالداً فى تاريخ النضال العراقى الخالد الذين لا زالوا يتندرون بذكرياته، وقد اطلق الكثير من ابناء عصره اسمه على مواليدهم الجديدة في تلك المرحلة المريرة..  توفي في المملكة المتحدة  في داره في مدينة ويكفيلد / أطراف مدينة ليدز في انكلترا، يوم 22/12/2010 بعد معاناة طويلة من مرض عضال.
(من صفحة عماد المولى)


تابعنا على
تصميم وتطوير