رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
المشكلة الأميركية وأثرها على أسواق المال


المشاهدات 1123
تاريخ الإضافة 2025/04/23 - 9:55 PM
آخر تحديث 2025/04/26 - 12:16 PM

منذ وصول الرئيس الأمريكي ترامب للسلطة وهو يتحدث عن العجز التجاري الأمريكي مقابل الدول الأخرى، مما دفعه لفرض تعريفات كمركية على أكثر من ٢٠٠ دولة منها الصين وكندا والمكسيك. وهذا تسبب بانهيار أسواق المال، التي خسرت اكثر من ٦ تريليونات دولار في يوم واحد.  والحقيقة ان العجز التجاري الأمريكي هو أحد اعراض المشكلة  وليس سببها ، والسبب الرئيس للعجز او المشكلة هي ان الشعب الأمريكي يستهلك اكثر مما ينتج ، ولكن كيف يستهلك اكثر مما ينتج؟! 
الأمريكي يطبع الدولار بدون غطاء ويشتري به كل السلع التي يحتاجها من العالم، بينما لا تكلفه طباعة الدولار إلا بضع سنتات، ويشتري بها كل شئ من الخارج، ثم يقترض فوائض الاموال من باقي الدول التي تبيع له كل ما يحتاجه ، ويدفع لها فائدة بالدولار الذي يطبعه. او كما يقول “بيتر شيف” كبير استراتيجي السوق في  شركة يورو باسفك لإدارة الأصول: (تدفق السلع الرخيصة للأسواق الأمريكية مع تدفق الاموال وسهولة الحصول على القروض بفوائد منخفضة بسبب وجود الكثير من رأس المال الأجنبي، بالإضافة لارتفاع اسعار الاسهم في السوق الأمريكية، جعلت السوق الأمريكي اكبر مستهلك في العالم)، فأسعار اسهم مرتفعة مع سعر  فائدة منخفض واسعار استهلاك منخفضة، كل ذلك جعل أمريكا أغنى دولة على الورق، وجعل المجتمع الأمريكي يعيش أعلى من مستوى الإنتاجية الجماعية له .  
ومع أن الولايات المتحدة هي التي تستغل العالم، الذي يصنع لها ما تريد ويبيعها بسعر ارخص نتيجة قوة الدولار، ثم يقرضها ما يحصل عليه من بيع منتجاته، ويستثمر امواله في اسواق الاسهم والسندات الأمريكية، ومع كل ذلك فإن الرئيس الأمريكي يقول (اننا نتعرض للخداع) ويريد انهاء كل ذاك. 
ويريد  تغيير نظام التجارة العالمي وخفض سعر الدولار، وهو ما يعني (التقشف) ونهاية عصر الرفاهية الأمريكية، أي يجب أن يبدأ الأمريكيون بالاستهلاك ضمن إمكانياتهم وان يزيدوا حجم ادخاراتهم. كما سترتفع  اسعار الفائدة على القروض بسبب انخفاض حجم الاموال التي تقترضها الولايات المتحدة من الخارج، كل ذلك يعني انخفاض مستوى معيشة المواطن الأمريكي وانخفاض صافي ثرواته في سوق الاسهم. 
لقد أخطأ ترامب بفرض تعريفات على المنتجين لان المنتج لا يمكن استبداله بسهولة، بينما يسهل تغيير المستهلك، فالكل يستطيع الاستهلاك، ولكن لن تستطيع أمريكا استهلاك ما لا تنتجه، وستبقى تمتلك الورق فقط مع عدم وجود السلع في المدى المتوسط والقريب، وهذا ما شرحناه في مقالنا [التصنيع وليس التعريفات هو الحل للعجز التجاري الأمريكي] ، فالكثير من الاموال وقلة السلع  سترفع معدلات التضخم لأعلى مستوياتها، وهي تسجل حاليا ٦،٧٪ ، كما سينهار قطاع الخدمات ويشهد تسريح آلاف العمال لانه لا يوجد لدى الامريكان ما يشترونه وسترتفع معدلات البطالة، خصوصا بعد أن قام “الون ماسك” بتسريح مليوني موظف من الحكومة الأمريكية، بسبب سياسة التقشف.
اثر التعريفات الكمركية على  ارتباك الاسواق:
١) انخفض الدولار لأدنى مستوى له منذ ٢٠٢٢ مقابل باقي العملات، بينما ارتفع اليورو  لأعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات، حيث ستتجه الصين لشرائه، لتعويض ما تستورده من مواد من امريكا وتستوردها من اوربا. 
٢) انخفضت أيضا اسعار الاسهم لان المستثمرين يبيعون كل شئ الآن، بسبب حالة عدم التأكد التي تسود في الأسواق.  والمفارقة انه في فترات الأزمات المالية يندفع المستثمرون لبيع الاسهم وشراء سندات الخزانة الأمريكية كما يؤدي لارتفاع سعرها، لكن هذه المرة انخفض  الطلب على سندات الخزانة أيضا وانخفضت أسعارها، بسبب توقعات المستهلكين، لان الصين تمتلك ٧٩١ مليار دولار من سندات الخزانة وربما تبيعها كلها في وقت واحد. 
٣) انخفضت اسعار النفط والغاز، بمقدار ١٥٪ منذ ٢ أبريل ، بسبب توقع انكماش الاقتصاد العالمي بسبب الحرب التجارية وتوقع انخفاض الطلب على النفط، حيث توقعت الوكالة الدولية للطاقة انخفاض الطلب على  النفط بمقدار ٣٠٠ الف  برميل يوميا. 
٤) ارتفعت   أسعار الذهب بسبب  شراء البنوك المركزية للذهب والتخلص من الدولار الذي لن يكون مركز النظام النقدي العالمي ولن يبقى العملة الاحتياطية الدولية، مع اتجاه الحكومة الأمريكية لخفض قيمته. 
وشهد الذهب قفزات في سعره مؤخرا،حيث بلغ سعره  ٣٢٥٠ دولارا، وهو أعلى سعر في تاريخ تجارة الذهب، محققا زيادة قدرها ٦٠٠ دولار خلال هذا العام فقط، وزيادة بنسبة ٧٪ خلال أسبوع واحد وارتفاع بـ٢٥٠ دولارا خلال ٣ ايام .
ولمعرفة السبب الحقيقي لارتفاع اسعار الذهب، لابد من معرفة علاقة  الذهب بالدولار، فعندما تأسست الولايات المتحدة عام ١٧٨٩ كان سعر الاونصة الذهبية  ٢٠ دولارا فقط، وبعد ١٣٠ سنة عندما تم انشاء بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي عام ١٩١٣، وبقي سعر الاونصة من الذهب ٢٠ دولارا، حتى عام ١٩٣٣، عندما حدث الكساد الكبير حيث قام الرئيس الأمريكي روزفلت بتخفيض سعر الدولار، فأصبح سعر الاونصة ٣٥ دولارا. 
واستمر هذا السعر  حتى عام ١٩٧١ عندما تم الغاء المعيار الذهبي ، فوصل سعر الاونصة الآن لـ ٣٢٥٠ دولارا . 
الذهب ثابت ولكن الحقيقة ان الدولار فقد ٩٩٪ من قدرته الشرائية عبر الزمن، ويتوقع بعض الاقتصاديين ان يصل سعر الاونصة الذهبية  الواحدة  لـ ٢٠٠٠٠ دولار، ليس بسبب ارتفاع قيمة الذهب، ولكن بسبب فقدان الدولار لقدرته الشرائية . 
٥) مع ارتفاع أسعار الذهب فإن اسهم الذهب اي اسهم شركات تعدين الذهب ارتفعت بشكل بسيط نسبيا، والحقيقة ان شراء اسهم الذهب هو أفضل استثمار في الاسهم في الوقت الحالي، لانها ارخص بكثير وإمكانية تحقيقها الأرباح مرتفعة جدا. 
وسبب رخص اسهم الذهب الذي هو في  باطن الأرض عن الذهب الموجود في الأسواق فعلا يعود لسببين :
١- انخفاض اسعار النفط مقابل الذهب، وهذا يقلل كلف التعدين للذهب ويرفع الأرباح. 
٢- ان البنوك المركزية تشتري الذهب الموجود فعلا وليس الذهب في باطن الأرض، الذي تمثله اسهم شركات تعدين الذهب. 
وعليه نقول ان الذهب يبقى الملاذ الآمن في الأزمات المالية، وسيرتفع الطلب على الذهب بشكل أكبر مع ارتفاع سعره بسبب كمياته المحدودة نسبيا ، وسيسحب خلفه اسعار اسهم شركات تعدين الذهب. 
أما بالنسبة للعراق فإن زيادة مشتريات الذهب، وتقليل الاحتياط من  الأرصدة الدولارية وسندات الخزانة، سيكون احتياطا آمنا للاقتصاد العراقي. 
ولله أمر هو بالغه. 


تابعنا على
تصميم وتطوير