نعى المثقفون والكتاب في العراق وخارجه الأديب جمعة اللامي (78عاماً)، الذي فارق الحياة الخميس الماضي، في إمارة الشارقة بدولة الإمارات التي استقر بها منذ مغادرته الوطن . وكان اللامي قد غادر العراق عام 1979 بعد أن تعرض الى ملاحقات الأجهزة الأمنية الصدامية لخنق صوته الوطني، واستقر في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ سنة 1980 حتى وفاته.
وعمل الراحل في الصحافة منذ عام 1968، وفي فترة السبعينات شغل منصب مدير تحرير مجلة «ألف باء»، ليقرر بعدها مغادرة العراق، والاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ سنة 1980.
وتولى اللامي مناصب عدة في صحيفتي «الخليج» و«الاتحاد»، وعمل كاتباً متفرغاً في جريدة «الخليج» حتى عام 2009. كما شغل منصب خبير ثقافي لدائرة الثقافة والإعلام في إمارة عجمان (2007 ـ 2010). كما تولى رئاسة مركز الشارقة -ميسان العالمي للحوار والتنمية الثقافية.
ويملك الراحل عشرات الكتب والمؤلفات والمجاميع القصصية، إضافة إلى أعمال بارزة في الرواية والبحوث والدراسات.
وللكاتب الراحل العديد من الدراسات المهمة، منها «زايد: حلم مأرب: دراسة ثقافية تاريخية في الشخصية العربية»، و«الإبل في الإمارات: دراسة ثقافية تاريخية أدبية إنثروبولوجية»، و«المسألة الفلاحية في العراق»، و «قضية ثورة: الصراع والوحدة في منظمة التحرير الفلسطينية».
وقدم الأديب الراحل أعمالاً مهمة وبارزة في الرواية والبحوث والدراسات، إضافة إلى تجربته الإعلامية الثرية، ومن أعماله الأدبية: من قتل حكمة الشامي 1976، مجموعة قصص قصيرة. اليشن 1968، مجموعة قصص قصيرة. الثلاثيات 1979، مجموعة قصص قصيرة. التراجيديا العراقية - مختارات. المقامة اللامية 1999، رواية. مجنون زينب، 1998، رواية. عيون زينب، رواية. الثلاثية الأولى، 2000، رواية. على الدرب - قصص قصيرة. عبدالله بن فرات - نصوص. أشواق السيدة البابلية - نصوص. الحرية والثقافة - نصوص في حرية الضمير.
حصل الفقيد الراحل على عدة جوائز وتكريمات، منها الجائزة الأولى في القصة القصيرة من المؤتمر الأول للكتاب الشباب بغداد 1977. وجائزة السلطان قابوس للإبداع الثقافي في القصة القصيرة عام 2006. وقلادة بغداد للإبداع سنة 2011، وجائزة العنقاء الذهبية الدولية عام 2007.
وسبق لـ «بيت الشعر» بدائرة الثقافة والاعلام بالشارقة أن نظم حفل تكريم للأديب الراحل جمعة اللامي مع توقيع عدد من إصداراته، وشهد حفل التكريم تقديم شهادات عدد من الأدباء العرب حول تجربته ومسيرته الإبداعية التي تحمل خصوصية أسلوبية، وهو ما قال عنه الأديب الراحل في أمسية «تجربة وحوار»، التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي قبل سنوات إن «اللغة هي كل شيء، العقل واللسان والوجود والهوية، من هنا كان اهتمامي بها، فاللغة هي البلاغة وهي الإيجاز وهي الأسلوب، والأسلوب هو الإنسان»، مؤكداً أن «الكاتب الحقيقي هو إنسان حقيقي، وعندما يضع الكاتب قدمه على الطريق الصحيح، فإنه يترجم لنفسه في نفسه، ويخلق تفرّده من خلال أسلوبه الخاص». واللامي هو كاتب وروائي عراقي، ولد في العمارة، مركز محافظة ميسان في 1 يوليو 1947، وكان مقيماً في إمارة الشارقة، سافر إلى بغداد سنة 1959 ثم حكم عليه بالسجن 12 عاما سنة 1963م، قضى منها ست سنوات متواصلة في أغلب سجون ومعتقلات العراق.
في حوار سابق وقبل رحيله معه في الشارقة يقول “جمعة اللامي” عن العراق:
- ولدت ونشأت في جنوب العراق، حيث الانقسام الاجتماعي الحاد والظلم والفقر، والحزن غير القابل للانتهاء، في البيوت وبساتين النخيل والمساجد والأسواق، ومظاهرات الطلاب والعنف المضاد، والمطاريد والفتوات، ومشاجرات الصيادين ومعارك العشائر. في وقت مبكر من مرحلة الدراسة الابتدائية، كنت أكتب مواثيق الأحلاف بين العشائر والقبائل، ورأيت بأم عيني كيف يظلم الفلاح الجنوبي، والتباين والتمايز بين العرب الصرحاء وبين أبناء القوميات الأخرى المهاجرين من البلدان المجاورة، كما لاحظت الحياة السرية لعدد من العوائل التي نزحت من شبه جزيرة العرب واستوطنت الجنوب العراقي، لواء العمارة (ميسان) تحديداً.
• ومدى تأثير الأجواء والطقوس بالعراق عليك ؟
- تأثرت كثيراً بتقاليد عاشوراء والمنابر الحسينية، وعشت حياة سفر أهلي لزيارة المراقد في كربلاء، والنجف وبغداد وسامراء. وتأملت في انخطافاتهم وهم بين يدي الإبدال والشهداء والعشاق المعاميد. وحفظت عن ظهر قلب رواية “أبي مخنف” وقصة “المياسة والمقداد” وحكاية “بئر ذات العلم” و“تغريبة بني هلال” حين كنت أخطو خطواتي الأولى في تعلم القراءة والكتابة.
• وأجواء العمارة والعائلة ؟
- وقفت مشدوهاً أمام موت أخواتي الرضع، حيث لم يكن لوالدتي وسيلة احتجاج على الموت، سوى تكسير معاضدها. كما رافقت النساء اللاتي يخترن حياة الرجولة، صاحبت المغنين الجوالين والعشاق، وراقبت الحفلات الغجرية في منازل الموسرين، أو في الساحات العامة، ورأيت كيف يموت الناس وحيدين في مستعمرة الجدام بالعمارة. عشت تجربة “الدفن المؤقت” لموتانا في العمارة، قرب مرقد السيد نور الذي هو أحد أخوال أمي، أيام فصل الشتاء، تمهيداً لنقل رفاتهم إلى النجف حين تجف الأرض.ثم تفكرت كثيراً في الحكايات الشعبية عن الأهوار. وشدّني كثيراً ذلك الحديث غير المنقطع عن ذلك “المنتظر” الذي سوف يظهر في آخر الزمان ليخلص العالم من الظلم. دخلت منازل المسيحيين، وأكلت الطعام مع العوائل اليهودية في العمارة. عشت تقاليد الصابئة وطقوسهم، وكنت أحزن من أجل أولئك الزنوج ببشرتهم السوداء وهم يتعرضون إلى العزل والاحتقار”.
• وماذا تعلمت من السجن؟
- علمني السجن السياسي أن فكرة الحرية لا تتجزأ؛ لأنني اكتشفت أن الحرية التي أنشدها مفقودة، فالسجن اليساري هو صورة مصغرة لسلطة مؤجلة. أي أن للسجن إدارته ومخابراته وجنده وكتابه ومثقفوه، وكنت أجد في هذا المشهد “الوجه الآخر” للسلطة القمعية خارج السجن؛ لذلك أخذت أتحدث عن الظلم الذي تعرض له السياب، وجريمة اغتيال “بول نيزان” واضطهاد الجواهري والبياتي، وكان هذا لا يعجب الشيوعيين واليمينيين على حد سواء، ومن جراء هذا الاختيار كدت أقتل على يد أحد الشيوعيين في سجن الحلة المركزي، بعد أن تعرضت إلى “عزل” في المكان، أي إنني عشت سجن السلطة، وسجن السجناء أيضاً.
في 8 شباط/ فبراير 1964، في سجن نقرة السلمان، كتبت رسالة أعلنت فيها استقالتي من الحزب الشيوعي العراقي، وأودعتها أمانة العامل النقابي: فاضل رسن، عضو لجنة التنظيم المركزي للحزب في حينه، الذي أشاع رفاقه حوله اتهامات كثيرة، بعد اختفائه الغامض حين كان مع المقاتلين الأكراد البرزانيين، بعد مجئ حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق مرة أخرى 1968، منذ تلك السنوات اخترت بعمق أن أكتب في شأن مفهومي للحرية، والإنسان المضطهد من الجلاد “الرسمي” والجلاد “المناضل”.
• وهل دفعت هذه الماسي والاحداث للكتابة؟
- في السجن كتبت معظم كتابي القصصي الأول: “من قتل حكمة الشامي؟” الذي بقى لدى الرقابة قرابة خمس سنوات؛ لأنهم اعترضوا على قصة قصيرة عنوانها “وثائق الـ (الوحش)”، التي تمثل الرمز الكودي لشعار الحزب الشيوعي العراقي: “وطن حر وشعب سعيد”، ونشرتها في جريدة “النهار” البيروتية، حيث وصفني فيها محررها الثقافي “عصام محفوظ” بأنني الكاتب العربي، وربما العالمي الأول، الذي يكتب القصة كما الفرنسي “أبولينير” في كتابة بعض قصائده.
بعد ذلك، أثناء حياة “ما بعد السجن”، بين 1968 و 1969، فقدت كراسي القصصي الأول: “المسيح والجراد” الذي تضمن قصصاً وتسجيل كوابيس السجن، وتدوين الحياة السرية للسجن السياسي، أما كتابي الثاني: “اليشن” فكان التجربة القصصية الأولى في تحويل “المكان” إلى بطل، هكذا كان يرى عبد الرحمن منيف، لقد أعدت “أسطرة” الأسطورة في هذا الكتاب، وبنيت من جديد “اليشن” السومرية، بكونها المدينة العربية المتمناة والمنتهكة، في الماضي كما في الحاضر أيضاً، وربما في المستقبل كذلك.
• كان لكم حضور في العقد الستيني كقاص مؤثر ؟
- في بداية عقد الستينيات من القرن العشرين، اكتشفت الفرنسي “بول نيزان” و”ما لرو” وأعدت قراءة “سارتر” و”كامو” وبعض الأدباء الروس من جديد، مثلما اطلعت بعمق، على أشعار السياب والبياتي والجواهري والشرقي وأدونيس، وشعراء مجلة شعر، والحياة الثقافية والسياسية التي رافقت نشوء وانتشار مجلة “الآداب” اللبنانية، وكذلك كتابات الجيل الأول من القصاصين العراقيين، والأجيال التالية من الأدباء المصريين والسوريين والجزائريين. حان الآن وقت كشف الجراحات العميقة في الروح، لقد وقف “المثقفون الرسميون” في الحزب الشيوعي العراقي، ضد هذه التجربة القصصية الجديدة”. لقد اعتبروني داعية لليأس، بينما كنت أحارب آلة “الستالينية” و “الجدانوفية” وحيداً، ولكن بعد تجربة النشر في جريدة “النهار” جاءت تجربة النشر في مجلة “مواقف الأدونيسية”، عندما نشرت قصتي “يوم من حياة مدينة منسية”، التي هي: “اليشن”.
• وقصتك مع احمد حسن البكر الرئيس العراقي السابق ؟
- وفي تلك الفترة كتب أحد المحافظين في صحيفة “الثورة” الناطقة باسم حزب البعث الحاكم، يطالب بإحالتي إلى المحاكمة، معتبراً أن قصة “الليل في غرفة الآنسة م” مخلة بالآداب العامة، ومسيئة للذوق العام، وخادشة للحياء: كان، الموظف الكبير في وزارة الثقافة والإعلام في حينه، تزامن هذا الموقف بقرار إحالتي إلى “محكمة الثورة”، بقرار من الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، بناءً على تقرير خطي من “خير الله طلفاح” في قضية مسرحية: “انهض أيها القرمطي هذا عصرك”، التي كانت تتويجاً لمطاردته لي، في أعقاب صدور كتابي الأول: “من قتل حكمة الشامي” .
• وسنوات الغربة الطويلة ؟
- المنتج إبداعا مصورا للقلق والعزلة والحب وتفاصيل الحياة اليومية التي منحها نبضا جماليا بتلامسها للكينونة الباحثة عن الحرية التي هي (وعي الضرورة) باعتماده الواقعية منهجا أضفى على شخوصه البساطة والوضوح الفكري، ومنح أبطاله منظورا متفردا في الدفاع عن مواقفهم وتحليهم بحكمة عميقة في مقاربة الحياة.
بالرغم من سني الاغتراب والخراب حاولت ان أكون خالقا للإبداع والجمال لمواجهة الملاحقات البوليسية لحزب البعث والدكتاتور، بحكم اكتنازي الفكري الذي استمر اجابه من يجابهه لأنني اعي ما قاله البعض (حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه لا بالسلاح الذي تخشاه أنت)، فكان نتاجي السردي والصحفي الشغل الشاغل لحياتي اليومية فأنتجت إبداعا شكل (صولجانه لترميم نفسي). وحقيقة كانت الامارات العربية شيوخا وشعبا كريما حاضنا لتجربتي وعملي مهتما بأوضاعي الاقتصادية والصحية ليس لي وحدي بل لأسرتي.. وهنا لابد ان اذكر افضال الشيخ المثقف والاديب الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة لسؤاله والحفاظ على جمعة اللامي من تلقبات الزمن والأوضاع الاقتصادية .