رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
السينما العراقية ما بين التاريخ والميكنة


المشاهدات 1182
تاريخ الإضافة 2025/04/14 - 9:23 PM
آخر تحديث 2025/04/19 - 3:09 PM

 تمّ الإعلان من قبل السفارة الفرنسية في العراق عن إطلاق مشروع «سينماتيك العراق: نهضة الأفلام من جديد»، وهذا هو المشروع الذي تعمل عليه السفارة مع الحكومة العراقية، من أجل ترميم الأفلام العراقية أولًا، وإجراء أرشفة رقمية لها ثانيًا، تحت إشراف لجنة الذاكرة البصرية العراقية التابعة لمكتب رئيس الوزراء مباشرةً. هذا يطرح تساؤلًا يلوح في الأفق عن مستقبل السينما العراقية، وسبب تراجعها في السنوات القليلة الماضية إلا من أفلام معدودات، وخصوصًا أنها سينما لديها شخصية، ولديها رسائل قوية، إضافة إلى القصص المؤثرة التي تحتاج الى أن تُحكى، وخصوصًا بعدما كانت السينما العراقية ضيفًا دائمًا على حفلات الأوسكار الأميركية منذ عام 2014، مرورًا بعام 2018 من خلال فيلم «الرحلة»، وحتى عام 2023 من خلال فيلم «حدائق معلقة»، الذي أتى كإنتاج مشترك بين العراق ومصر وفلسطين والسعودية وبريطانيا، والذي نجح بدوره أيضًا في المشاركة بالدورة الـ79 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في إيطاليا...

الأفلام المصرية شهدت إقبالًا كبيرًا عليها في دور العرض العراقية، ما دفع كثيرين من المنتجين العراقيين إلى عقد شراكة سينمائية مع عدد من نجوم السينما في مصر
تاريخ السينما العراقية
هذا يجعلنا نحاول أن نتذكر سويًّا تاريخ السينما العراقية، التي كان لها دائمًا باع طويل في القوة الناعمة، والمجال السينمائي منذ العشرينيات من القرن الماضي، ففي الوقت الذي أنتجت فيه مصر أول أفلامها السينمائية عام 1923، كانت العراق منذ 1909 تعتمد على عرض الأفلام الصامتة مثلما كان يحدث في مصر أيضًا، ولكن قبل إنتاجها أول أفلامها.
شهدت دول عربية كثيرة دخول السينما إليها، ولكن إذا أردنا أن نضع لها ترتيبًا زمنيًّا، فسيكون كالتالي: مصر (1896)، وكان الاعتماد آنذاك على الأفلام الأجنبية الصامتة، وأوائل هذه العروض كانت تتم في الإسكندرية نظرًا لكونها كانت أكثر تقدمية وتطورًا من القاهرة، ثم سوريا، ثم لبنان، ثم العراق، هذه الدول بدأت أيضًا في مطلع القرن العشرين بعرض الأفلام الصامتة.
وعلى الرغم من أن دور العرض العراقية اعتادت عرض الأفلام الأجنبية الصامتة، والتي كان ينتجها شارلي شابلن، وغيره من نجوم تلك الحقبة السينمائية، فإنه منذ عام 1927 بدأ يتم عرض الأفلام المصرية.
والجدير بالذكر أنَّ الأفلام المصرية شهدت إقبالًا كبيرًا عليها في دور العرض العراقية، ما دفع كثيرين من المنتجين العراقيين إلى عقد شراكة سينمائية مع عدد من نجوم السينما في مصر، ومنذ أربعينيات القرن الماضي بدأت تنشأ علاقة عربية سينمائية هدفها التطوير بين السينما العراقية ونظيرتها المصرية.
وكان أول أفلام تلك الحقبة هو فيلم «القاهرة بغداد»، الذي كان من إخراج المخرج المصري أحمد بدرخان، وضمت بطولة الفيلم فنانين مصريين هم بشارة واكيم، ونورهان، ومديحة يسري، وفنانين عراقيين هم عزيز علي، وحضيري أو عزيز، وعادل عبدالوهاب.
قصة الفيلم تدور حول شاب عراقي يتم اتهامه بقتل عمه، فسرعان ما يهرب إلى مصر، ويقع في حب فتاة مصرية، وخلال أحداث الفيلم يعلم الشاب بأن الشرطة العراقية قد أثبتت براءته من خلال القبض على القاتل الحقيقي، ليعود إلى بغداد مرة أخرى.
أهمية فيلم «الظامئون» تتأكد من خلال الترحيب الجماهيري الذي لقيه، ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل على المستوى العالمي، نظرًا لقصته التي تُظهر جانبًا واقعيًّا من الحياة العراقية للقرى الفقيرة التي تُصاب بالجفاف
تطور السينما العراقية
استمر الأمر على إنتاج الأفلام الرومانسية، وذات القصص البسيطة، خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، حتى بدأت السينما العراقية في مطلع الستينيات بالعمل على أفلام حقيقية بإنتاج ضخم، وقصص أكثر متانة، فنجد أنه في العام 1962 تم إنتاج الفيلم التاريخي «نبوخذ نصر»، الذي ضم كوكبة من عمالقة التمثيل العراقي.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل اشتملت تلك الحقبة على مجموعة من أهم أفلام التاريخ السينمائي العراقي، مثل أفلام: «القرار الأخير»، و»أوراق الخريف»، و»الحارس»، التي جمعت بينها القصة الدرامية الأكثر ترابطًا، مع الاهتمام بتفاصيل مثل الديكور، والملابس، والإخراج، وفن إخراج الصورة، وكل هذا ساهم بلا شك في تطور صناعة السينما، حتى شجع ذلك الحكومة على بدء إنتاج الأفلام من خلال المؤسسة العامة للسينما والمسرح، التي ساعدت في إنتاج واحد من أهم أفلام تلك الفترة، وهو «الظامئون».
ونجح فيلم «الظامئون»في الفوز بجائزة مهرجان طشقند السينمائي الدولي عام 1973، وكان بمثابة العلامة الفارقة في الصناعة السينمائية العراقية.
أرشفة الأفلام
 نتمنى ألا تكون مجرد خطوة تراعي وجود تاريخ سينمائي عراقي يعيش أبناء العراق على تمجيده فحسب، بل أن تكون نقطة الانطلاق للعمل على تطوير مجال صناعة السينما بوجه عام، من خلال إعادة إحياء التراث العراقي
الصناعة السينمائية والغزو الأميركي
منذ عام 2003 حتى يومنا الحاضر، تأثرت صناعة السينما في العراق تأثرًا كبيرًا، سواء من سبل الإنتاج التي شهدت تدهورًا كبيرًا، أو على صعيد المبدعين من المخرجين والمؤلفين والفنانين، الذين اتجهوا إلى الكثير من الدول العربية أو الدول الأوروبية. 
وعلى الرغم من هذا نجد أن السينما العراقية أصبحت سينما متخصصة في التواجد على منصات التتويج والاحتفاء بها في مختلف مهرجانات العالم؛ واستمر المبدعون المتواجدون داخل العراق بالعمل من خلال الإنتاج المشترك من أجل إيصال أصواتهم إلى الخارج، وعرض قضاياهم، سواء القضايا التي عانوا منها أثناء الغزو الأميركي للأراضي العراقية، أو بعده.
وشهدت تلك الفترة انتعاشة على صعيد الأفلام المستقلة، ما جعل نقادًا كثيرين يعتبرون أن السينما العراقية أصبحت سينما فردية، وأن مبدعين داخل العراق ما زال لديهم الأمل في العمل على تطوير صناعة السينما، دون خسارة القصة العراقية الأكثر عراقة وأصالة.
ويعد فيلم «ابن بابل»، الذي تم إنتاجه عام 2009، أبرز ما أُنتج في تلك الفترة، والفيلم يحكي قصة طفل وجَدّته، ورحلتهما للعثور على والده المختفي منذ حرب الخليج الثانية، بعدما انتشرت أنباء عن الإفراج عن أسرى الحرب الذين تم أسرهم أحياءً في جنوبي العراق زمن الحرب. ويُضاف إليه فيلم «حدائق معلقة» المُنتَج عام 2022، الذي سبق أن تحدثنا عنه.
في ختام مقالنا يجب القول إن خطوة السفارة الفرنسية نحو أرشفة وترميم الأفلام العراقية بدعم فرنسي كامل تعد أمرًا كبيرًا، وخطوة تأخرت من أجل محاولة إنقاذ صناعة السينما العراقية، وخصوصًا بعدما أعلن السفير الفرنسي أن فيلم «سعيد أفندي»، الذي يتم العمل على ترميمه وأرشفته في الوقت الحالي، سيكون متواجدًا للعرض خلال الدورة القادمة لمهرجان «كان» السينمائي الدولي.
وأرشفة الأفلام نتمنى ألا تكون كما قلنا مجرد خطوة تراعي وجود تاريخ سينمائي عراقي يعيش أبناء العراق على تمجيده فحسب، بل أن تكون نقطة الانطلاق للعمل على تطوير مجال صناعة السينما بوجه عام، من خلال إعادة إحياء التراث العراقي، أو قص القصص العراقية في المحن والأزمات، ويكون للعالم العربي وجه جاد يتم فيه قص حكاياتنا، ومن جانبنا كوطن عربي تجرّع الكثير من المآسي، فقط لأنه في وقت ما كان المنارة الثقافية للعالم أجمع، من بغداد والشام والإسكندرية.


تابعنا على
تصميم وتطوير