رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الخيول .. جمال ومضرب أمثال


المشاهدات 1184
تاريخ الإضافة 2025/04/14 - 9:19 PM
آخر تحديث 2025/04/23 - 9:28 AM


كانت الخيول على مدى العصور جزءاً أصيلاً من الموروث العراقي، وبالأخص في بغداد التي احتضنت الفروسية وجعلت منها فناً ومكانة اجتماعية مرموقة.
 ولم تكن الخيول وسيلة للتنقل أو الحرب فحسب، بل ارتبطت أيضاً بالفن الشعبي، والمناسبات الاجتماعية، وحتى الأمثال الدارجة .
واطلق العرب أسماءً على الخيل لا حصر لها ولا مجال لذكرها وربما سنفرد لها مقالاً خاصاً .
فيما عرف البغداديون الاسطبلات باسم “الطوايل”، ومفردها “طولة”،وهي الأماكن التي تُربى فيها الخيول وتُعتنى بها، وكانت الطولة أشبه ما تكون بمؤسسة صغيرة تضم الفارس والمدرب والعاملين في تربية الخيول. ومع ازدهار الفروسية، أصبح ركوب الخيل جزءاً من هوية الفتوة في بغداد، حيث مارس “الشقاوات” ركوب الخيل وشاركوا في رقصة السيوف التقليدية المعروفة بـ”لعب الساس”.
ومن أبرز ملامح الحياة الفروسية في بغداد القديمة، وجود ميدان للسباقات يُعرف بـ”المنطرد”،  او الريسز يقع ما بين الباب الوسطاني وباب المعظم خارج سور المدينة، كان هذا الميدان مسرحاً لتجمعات كبيرة تقام في الأعياد والمناسبات، حيث يشارك الفرسان بخيولهم العربية الأصيلة، بينما يستأجر بعض المتسابقين خيولاً من أصحاب الطوايل المتواجدين في الموقع.
تنتهي السباقات عادةً في ساحة قريبة من باب المعظم، حيث يجلس الشيوخ ووجهاء المحلات على “تخوت” شعبية، ويشرف كبارهم على توزيع الجوائز النقدية على الفائزين، في مشهد اجتماعي يمزج بين الرياضة والاحتفاء الجماعي.
والحقيقة كان كثير من الناس يتولعون بتلك السباقات ويدمنون على المراهنات أملا بالفوز لكنهم يخسرون مراراً وتكراراً ما يضطرهم الى بيع ممتلكاتهم ( بيوت سيارات عقارات) ويخربون حياتهم ويشردون اسرهم .
شخصيات بارزة وأساطيل خيل معروفة
على مقربة من باب المعظم، وفي محلة “السور”، كان يقع اسطبل الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني، نائب والي بغداد بين عامي 1912 و1914، والذي كان شغوفاً بتربية الخيول العربية الأصيلة، مثل العبيان، الكحيلان، الحمدانية، المعنكية، الصقلاوية، والتكليف، وغيرها من السلالات المعروفة.
كذلك كان آصف محمود عارف آغا، جد المعماري الشهير رفعت الجادرجي، يمتلك طولة كبيرة للخيول. أما التجار، فكانوا يتجمّعون في مقاهي “عگيل” في جانب الكرخ، حيث تتم صفقات بيع الخيول، وبعضها يُرسل إلى مدينة “بونا” الهندية، القريبة من بومباي، للمشاركة في السباقات الدولية هناك.
ومن بين أشهر مالكي الخيول في بغداد آنذاك: المستر مردوخ، مدير شركة مردوخ وبروكس البريطانية، ومنشي شعشوع (التاجر اليهودي المعروف)، وسعدون الشاوي، وسلمان الباججي، وقدري الأرضروملي، وسلمان حسون الشگرة، الذي يظهر في إحدى الصور النادرة واقفًا أمام طولة خيوله.
كان اقتناء الخيول الأصيلة يُعد استثماراً مربحاً، فقد يُشترى الجواد من البدو بنحو عشرة دنانير، ويباع بعد عام أو اثنين بأكثر من مئة دينار، إذا أثبت جدارته في السباقات. وبعد شرائه، يُودع الجواد في (طولة) يُعتنى به فيها بعناية خاصة، ويتقاسم مالكه الربح مع صاحب الطولة، الذي يُقال إنه “له فيه رجل” أو “يد”، أي شراكة تصل إلى ربع قيمة الجواد.
أمثال شعبية خالدة
من أشهر الخيول التي عرفت في بغداد أيضاً، خيول الشرطة، وبالأخص “الخيّالة” الذين كانوا يشاركون في الاستعراضات الرسمية، وقد لاحظ الناس أن هذه الخيول تنطلق بسرعة وقوة في البداية، لكنها ما تلبث أن تخف همتها ، ومن هذه الظاهرة استُمد المثل الشعبي الشهير:
“مثل خيل الشرطة… بس أول هدّة!”
ويُقال هذا المثل للشخص الذي يبدأ العمل بحماس شديد، ثم سرعان ما يفتر نشاطه. وهناك امثال اخرى كلها تحمل معاني وحكم مثل :
- من قلة الخيل شدوا ع الچلاب سروج
- الفرس بخيالها
- حصان اللي يهومش يوگع بانكس العلايج
- لكل جواد كبوة
الخيول اليوم
رغم تبدّل العصور، وانحسار سباقات الخيول لكن لم يخفت وهج الخيول في العراق، لا تزال الفروسية حاضرة في بعض الأندية والمضامير، ولا تزال أسماء السلالات العربية الأصيلة تتردد في ميادين السباق، كما تحتفظ بعض العوائل بمزارع متخصصة بتربية الخيول، خصوصًا في بغداد والنجف والموصل والأنبار.
بقي ان نذكر انه قيل في (تاج العروس) إن الخيل هي جماعة الأفراس ولا واحد لها في اللغة العربية ، لكن يرجّح أن المفرد في الخيل، هو (خائلٌ لأنه يختال). 
ويعزز هذه الرواية بقصة قدوم “معتوه” إلى اللغوي أبي عمرو بن العلاء وسؤاله لم سمّيت الخيل خيلاً؟ فقال له اللغوي: “لا أدري” فقال المعتوه: “لكن (أنا) أدري” فرد ابن العلاء: “عَلِّمنا” فقال: “لاختيالها في المشي”. فقال ابن العلاء لأصحابه: “اكتُبوا الحكمة وارووها ولو عن معتوه!”.


تابعنا على
تصميم وتطوير