رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
عارف الساعدي: دار الشؤون الثقافية تصدر ما يقارب 150 عنواناً ثقافياً سنوياً


المشاهدات 1295
تاريخ الإضافة 2025/04/09 - 8:25 PM
آخر تحديث 2025/04/19 - 3:08 PM

في ظلّ التحولات التي يشهدها المشهد الثقافي العراقي، تظلّ دار الشؤون الثقافية العامة إحدى الثوابت التي تحافظ على روح الهوية، وتصون ذاكرة البلاد من الاندثار. من مكاتبها التي عَبَقَت برائحة الحبر، إلى رفوفها التي امتلأت بنتاجات مبدعي العراق، تقف الدار شاهداً على عقودٍ من الإبداع والجدل الثقافي. في هذا اللقاء الذي أجرته صحيفة «الزوراء»، نفتح دفاتر الثقافة العراقية مع المدير العام للدار، والمستشار الثقافي لرئيس مجلس الوزراء، في حوار شفاف وشامل عن التحديات والطموحات، وعن رؤية العراق الثقافية بين الورق والرقمية، بين الذاكرة والمستقبل.

* بداية نود أن نتعرف على هذه الدائرة والمهام التي تطلع بها؟  
- مثل ما تعرفون، إن هذه الدائرة هي المسؤولة أولًا عن طباعة الكتب والمطبوعات الحكومية والثقافية. تأسست بعد أن ورثت دور النشر الحكومية: الجاحظ، والرشيد، وما قبلها، وتأسست على أنها مجلة اسمها آفاق عربية ، أسسها المرحوم شفيق الكمالي. بعد ذلك اندمجت بعض الدوائر وتشكلت منها دائرة الشؤون الثقافية في بداية الثمانينات، عندما كان الدكتور محسن جاسم الموسوي مديرًا عامًا لها. هذه المؤسسة هي الوحيدة التي تصدر المجلات الثقافية المعروفة: المورد التي تهتم بالتراث الشعبي، والتراث الشعبي التي تهتم بالفولكلور العراقي، والأقلام التي تهتم بالأدب الحديث، والثقافة الأجنبية التي تهتم بالترجمة. ولا تزال هذه الدار تصدر هذه المجلات الدورية المهمة: المورد، التراث الشعبي، الثقافة الأجنبية، الثقافة التركمانية، واستحدثنا مجلة «معالم». وتصدر الدار ما يقارب 150 عنوانًا ثقافيًا متنوعًا سنويًا بين اللغة والتاريخ والأدب والرواية والترجمة والتحقيق، ضمن خطة مدروسة من خلال لجنة التأليف والنشر وهي لجنة خارجية تقيم المنتوجات الثقافية العراقية، وعلى ضوئها تتم الطباعة. بقيت هذه الدار تعمل على هذا المنوال بين المجلات وطباعتها، والكتب الثقافية وطباعتها وتوزيعها. 
* باعتباركم أحد المثقفين والأدباء البارزين في هذا البلد، وهذا يجعلكم أمام مسؤولية تقييم الحركة الثقافية، فما هي رؤيتكم لعمل هذه الدائرة؟  
-  بالتأكيد أن لكل دائرة يجب أن تكون هناك خطة مدروسة تسير عليها، وإلا لن تستطيع تنفيذ رؤيتها. في بداية تسلمنا المسؤولية في هذه الدائرة عام 2021، آمنا على خطة مع السيد وزير الثقافة السابق الأستاذ حسن ناظم، وهي إعادة طباعة أعمال الرواد العراقيين. بدأنا بالأعمال الكاملة للجواهري (ستة مجلدات)، وبقي العمل مستمرًا حتى هذه اللحظة. نجمع أعمال الرواد وتكون جاهزة للباحثين والدراسين ورواد الثقافة. الحمد لله، مستمرون على هذه الخطة، وهي جمع أعمال الرواد من الشتات، سواء على مستوى الدواوين أو المذكرات أو الفكر. مثلًا: جمعنا أعمال مدني صالح الفكرية الكاملة وطبعناها في ستة مجلدات، وأعمال الشعراء الزهاوي، والبياتي، ولميعة عباس عمارة، ونازك الملائكة، وحسب الشيخ جعفر، والعشرات غيرهم. استطعنا أن نجمع أعمالهم بطبعة فاخرة تمثل طبعة الحكومة. هذه الخطة مستمرة حتى اللحظة، ونعتقد أن عملنا هذا هو جزء من الوفاء لهذه النخبة من العراقيين.
* وكيف يمكن تفعيل دور الثقافة في مواجهة التحديات التي يمر بها البلاد؟  
-  أنا أعتقد أن جلّ مشاكل هذا البلد هي مشاكل ثقافية. لا أقصد الثقافة المرتبطة فقط بالشعر والرواية والقصة، وإنما بسلوك الإنسان، وبالتعرف على حضارة العراق. يجب أن تبدأ من رياض الأطفال، صعودًا إلى المدارس، للتعرف على رموز البلد، وتراثه. الآن، لا يوجد أطلس كما كان في السابق. كان لدينا أطلس نعرف من خلاله ثقافة البلد وأحيائه وعاداته وتقاليده. هذا يعزز الهوية العراقية، ويقوي الذاكرة الثقافية. للأسف، هذا اختفى. ولا يمكن أن نصنع قنبلة ذرية أو ناطحة سحاب، ولكن لدينا ما هو أعمق: لدينا الثقافة كهُوية رصينة. تعزيز الثقافة لا يجب أن يكون محصورًا بالأدب فقط، بل بالآثار، والتراث، والسياحة، والتاريخ، ومعرفة الرموز الوطنية. هذا هو ما يصنع الهامش الحقيقي في المجتمع، ويواجه المحتوى الهابط بطرح محتوى هادف عبر الدراما، والسينما، والفن التشكيلي، وحتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
* ما هي خطط الدائرة فيما يخص النشر ودعم الكُتّاب العراقيين؟  
-  آلية طبع الكتاب مستمرة كما كانت، مع حذف الرقيب الأمني. ما يحدث الآن أن أي باحث أو مؤلف يقدم طلبًا إلى المدير العام لطبع كتابه، ثم يُعرض على لجنة التأليف والنشر العليا، وهي من أساتذة خارجيين نثق بخبراتهم. نجتمع كل 3 إلى 4 أشهر، ونقدم لهم حوالي 40 إلى 50 كتابًا لتقييمها. بعض الكتب تُرفض من العنوان، وبعضها تُرسل إلى خبراء. فإن وافقت خطة الدار، يُحال إلى مختصّ للتقييم: الشعر إلى شاعر أو ناقد، اللغة إلى أستاذ مختص، وننتظر آرائهم خلال أسبوعين إلى شهرين. هناك كتب تُرفض، وأخرى تُطلب فيها تعديلات، وبعضها يُوافق عليها مباشرة. ثم تبدأ عملية الطباعة والمراجعة والتدقيق والسحب وغيرها. 
* وكيف تتعاملون مع التحديات التي تواجه النشر الورقي في ظل التحول الرقمي؟  
-  هذه مشكلة كبرى. الكتاب الورقي يحتضر، كما انقرضت الصحف الورقية وتحولت المجلات إلى ملفات إلكترونية. لكننا نؤمن أن الكتاب الورقي أطول عمرًا، والمجلات الورقية تبقى لفترة طويلة في المكتبة. لذلك أنشأنا موقعًا إلكترونيًا لدار الشؤون الثقافية، ننشر فيه المجلات مثل «الأقلام»، فننشر المقالات والدراسات والقصائد ورقيًا، ثم نعيد نشر جزء منها إلكترونيًا. موقعنا يحظى بزيارات من عشرات الآلاف من القراء حول العالم، ومن لم يحصل على النسخة الورقية يمكنه تصفح الكتاب عبر الموقع.
* ما هو رأيكم بالملاك المتوفر لديكم؟  
-  الملاك الموجود لدينا ملاك تقني وحرفي، من صُنّاع الكتاب، والمراجعين، والمدققين، ومنظّمي العمل، والشباب العاملين على الطباعة والتصحيح، وهم على مستوى عالٍ من الكفاءة.
* وهل هناك مشاريع تعاون مع دور نشر عربية أو دولية لدعم الأدب العراقي؟  
-  نعم، وهذا واحد من أهم المحاور. العراق عانى من قطيعة كبيرة لسنوات طويلة. حاولت الحكومات بعد 2003 بناء جسور، لكنها لم تنجح كثيرًا. في السنتين أو الثلاث الماضية، بدأنا نبني علاقات طيبة مع دول مجاورة. أصبح العراق ضيف شرف في معرض الرياض عام 2022، وفي معرض تونس 2023، ونشارك في معظم المعارض العربية عبر وزارة الثقافة ودوائرها المختلفة، كدار المأمون، دار ثقافة الطفل، ودار النشر الكردية. كما استحدثت سلسلة «طبعة بغداد»، نطبع فيها كتبًا لمؤلفين عرب كبار لم تصل بغداد سابقًا، واستأذنا من أصحابها وبدأنا بطباعتها. السلسلة تجاوزت الآن العشرين كتابًا لأسماء كبيرة.
* بما أن تصدير واستيراد الكتب يخضع لمعايير، هل لدى الدائرة خطة واضحة بهذا الشأن؟  
- نعم، لدينا قسم للتسويق، لكن للأسف يعمل بطريقة تقليدية. نحتاج إلى شركة متخصصة بإدارة التسويق الثقافي. قبل 2003، كانت لدينا الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، تتولى توزيع كل المنشورات الثقافية. بعد 2003، تهيكلت هذه الشركة وتحولت إلى أقسام داخل كل دائرة. حاليًا، ما زلنا نبحث عن شركة تسويق حديثة تواكب العصر.
* هل تسيطر دائرتكم على الكتب المستوردة إلى العراق؟  
-  لا، هذا من اختصاص جهاز الأمن الوطني، ويوجد مديرية خاصة بمراقبة المطبوعات. نحن لا نملك صلاحية منع أو مراقبة دخول الكتب.
* كيف تعمل الدائرة على حفظ التراث الثقافي والأدبي العراقي؟  
-  هذه أولوية. مجلة «التراث الشعبي» تصدر مع كل عدد كتاب هدية، ولدينا سلسلة «التراث الشعبي» نصدر فيها حوالي 12 كتابًا سنويًا. أصدرنا أكثر من 25 كتابًا عن التراث والفولكلور من بغداد إلى الجنوب والرمادي والموصل. كذلك جمعنا جميع المخطوطات التي نُشرت في مجلة «المورد» منذ 1971، وطبعناها في 24 مجلدًا، قام بها الباحث حيدر الجبوري على مدى ثلاث سنوات.
* هل لديكم أرشيف رقمي يمكن مراجعته؟  
- نعم، يمكن لأي شخص دخول موقع الدائرة، والاطلاع على أعداد مجلة «التراث الشعبي» منذ 1963، ومجلة «الأقلام» منذ عددها الأول عام 1964، وجميع المجلات الأخرى ضمن الأرشيف الرقمي.
* ما أبرز المهرجانات والفعاليات التي تنظمها الدائرة؟  
-نشارك في أغلب المهرجانات في العراق بنسبة 60 إلى 70 %. لدينا معرض دائم في اتحاد الأدباء، نشارك في مهرجان المربد، مهرجان بابل، مهرجان الحضارة في الموصل، وغيرها.
* وهل يحظى إنتاجكم باهتمام إعلامي كبير؟  
-  للأسف، هناك تقصير إعلامي واضح. لدينا صفحات بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أثر لها إلا لدى بعض الأصدقاء. نحتاج إلى اهتمام إعلامي أكبر لنشر أخبارنا.
* لو فتحت لكم صحيفة الزوراء باب التعاون لنشر أخباركم، هل ستواكبون العمل معها؟  
- بالتأكيد، جريدة الزوراء منبر مهم جدًا، ونحن على استعداد للتعاون معها، ونشكرها على ذلك.
* هل لديكم جوائز تحفيزية لدعم المطبوعات والكتاب؟  
- نحن مرتبطون بجائزة الإبداع التي تنظمها وزارة الثقافة، وأنا عضو في لجانها العليا. وهي جائزة سنوية تقدمها الوزارة.
* ما هي رؤيتكم لمستقبل الثقافة في العراق؟  
-  الثقافة جسد حي من جسد البلد. إذا لم تتعافَ أطراف البلد، لا تتعافى الثقافة. الثقافة مرتبطة بالتعليم، والصحة، والصناعة، وكل شيء. يجب وضع خطة تنمية حقيقية لخمسة أو عشرة أعوام، تكون الثقافة جزءًا أساسيًا فيها. لا يمكن الحديث عن تعليم حقيقي أو تربية حقيقية بدون ثقافة فاعلة.
* ما هو دوركم كمستشار ثقافي لرئيس الوزراء، وماذا قدمتم للثقافة العراقية من خلال هذا المنصب؟  
- خلال هذه الفترة، وبقربي من السيد رئيس الوزراء، تمكّنا من تنفيذ مشاريع تحدث لأول مرة، بدعم مباشر منه. عملنا على محورين: الأول دعم الفعاليات الثقافية والمهرجانات والمؤتمرات والندوات على مستوى العراق. والثاني، وهو الأهم، وضع خطة إستراتيجية لبناء الثقافة، تبدأ من إنشاء قاعات ثقافية .
* كيف ترى حجم التفاعل مع البرنامج من قبل المجتمع والمثقفين والمؤسسات التربوية والتعليمية؟   
- حقيقة، التفاعل فاق التوقعات، لا سيما من قبل أولياء الأمور والمجتمع التربوي، فقد شعر الجميع أن البرنامج يشكل نافذة أمل ومساحة مشرعة للإبداع. المؤسسات التعليمية بدأت تطلب منا التعاون لإقامة ورش عمل تدريبية داخل المدارس، وهذا دليل واضح على أن البرنامج استطاع أن يلامس الحاجة الحقيقية لإطلاق طاقات الطلبة وتوجيهها. حتى المثقفون كانوا داعمين ومبادرين، بعضهم تبرع بإقامة دورات تطوعية وآخرون شاركوا في لجان التقييم، ونحن ممتنون لكل من آمن بالهدف وساند الفكرة.
* ما أبرز الصعوبات التي واجهتموها خلال مراحل إعداد وتنفيذ البرنامج؟  
-  هناك صعوبات متعددة، بعضها إداري، كالحصول على الموافقات الرسمية في الوقت المناسب، وأخرى مالية تتعلق بتوفير الدعم اللوجستي للورش والفعاليات، بالإضافة إلى أن بعض المشاركين يحتاجون إلى توجيه خاص نتيجة تفاوت المستوى. لكننا تغلبنا على هذه التحديات بفضل التعاون بين الفريق، وبإيماننا بأن النتائج تستحق الجهد. كما ساعدنا وجود خبرات إعلامية وتربوية ضمن الفريق على تخطي بعض العقبات بسلاسة. البرنامج يركز على تطوير مهارات الكتابة الأدبية للشباب. * هل لاحظتم تأثيراً مباشراً على مستوى الإنتاج الأدبي للمشاركين؟  
-  نعم، وبكل فخر. بعض المشاركين بدأوا بتأليف مجموعات شعرية وقصصية قصيرة، وتم نشر إنتاجهم على صفحات البرنامج ومواقع إلكترونية ثقافية. آخرون بدأوا بالمشاركة في مسابقات أدبية محلية. والأهم، أن ثقتهم بأنفسهم زادت، وبدأوا ينظرون إلى أنفسهم كـ “مبدعين” لا مجرد طلبة. نحن نخطط لجمع أبرز أعمالهم في كتاب جماعي يمثل ثمرة هذه التجربة.
* وهل من خطط مستقبلية لتوسيع البرنامج أو تطويره؟  
- بالتأكيد. نخطط لتوسيع البرنامج ليشمل محافظات أخرى، ونسعى للتعاون مع وزارتي الثقافة والتربية لإدراجه ضمن برامج رعاية الموهوبين. كما نطمح إلى إقامة مهرجان سنوي يحتفي بإبداع المشاركين، ويتضمن قراءات شعرية، ومعارض للقصص والخواطر، وندوات نقدية يشارك فيها أدباء كبار. نريد للبرنامج أن يصبح بيئة دائمة لصناعة المبدعين لا مجرد تجربة عابرة.
* أخيراً.. ما الرسالة التي تودون توجيهها من خلال هذا البرنامج؟  
-  رسالتنا هي أن الشباب العراقي يحمل طاقات إبداعية عظيمة، وكل ما يحتاجه هو من يؤمن به، يرعاه، ويوجه خطواته نحو النور. نحن لا نصنع الموهبة، بل نهيئ لها المناخ لكي تنمو. والإبداع ليس رفاهية، بل ضرورة حضارية تضمن بقاء الهوية، وازدهار الفكر، واستمرار الأمل في هذا الوطن.


تابعنا على
تصميم وتطوير