رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
قطار الحنين .. هل نحتاج إليه حقاً ؟


المشاهدات 1383
تاريخ الإضافة 2025/04/07 - 9:27 PM
آخر تحديث 2025/04/19 - 3:08 PM

تخيل للحظة أن قطارًا غامضًا ظهر فجأة على قضبان الزمن، لكنه لا يأخذنا نحو الغد، بل يعود بنا إلى الوراء، إلى أيام الطفولة، إلى ضحكات المدرسة، إلى رائحة الخبز في بيت الجدة، إلى الشوارع التي كانت تضج بالحياة قبل أن تلتهمها الأبراج الإسمنتية. هل ستتردد في ركوبه؟
الحاضر، رغم كل تطوره، يرهقنا. التكنولوجيا التي وعدتنا بالراحة جعلتنا أسرى الشاشات، والسرعة التي بشّرتنا بحياة أفضل سرقت منا لحظات التأمل. لهذا، حين يمر قطار الزمن إلى الماضي، سيقفز الجميع نحوه بلا تردد، متلهفين إلى تلك الذكريات الدافئة التي غادرناها مرغمين.
في المدرسة القديمة، سنجد مقاعدنا الخشبية وقد نقشت عليها أسماؤنا وأحلامنا البريئة. في الحي العتيق، سنرى أطفال الأمس يلعبون في الأزقة دون أن يشغلهم هاتف أو لعبة إلكترونية. في بيت العائلة، سنسمع صوت الأب وهو يروي حكايات المساء، وصوت الأم وهي تنادي إلى العشاء. سنشعر بدفء العلاقات، بطيبة القلوب، بملامح الزمن الذي كان أكثر إنسانية، وأكثر رحمة.
لكن ماذا عن الحاضر؟ ماذا سيحدث له إن صعد الجميع على متن القطار ورحلوا؟ هل سيبقى خاليًا، بلا ضحك ولا أحلام؟ ربما، وربما يكون درسًا لنا بأن الماضي ليس مجرد محطة نرغب في العودة إليها، بل هو نور يجب أن نحمله معنا لنضيء به حاضرنا.
وربما، لو كان لهذا القطار تذكرة ذهاب وعودة، لما كنا بحاجة إليه من الأساس. لو استطعنا أن نعيد للمكان روحه، للناس دفئهم، للحياة بساطتها، فلن يكون هناك ما يدفعنا للهروب. الحنين جميل، لكنه ليس بديلًا عن الواقع. لذا، فلنحاول أن نصنع اليوم لحظات تستحق أن يحنّ إليها أحدهم يومًا ما.
لكن، ماذا لو لم يكن القطار مجرد حلم؟ ماذا لو كنا نحن من نصنعه كل يوم دون أن نشعر؟ حين نسترجع ذكرياتنا، حين نروي قصص الماضي لأطفالنا، حين نعيد إحياء تقاليدنا الجميلة، أليس هذا شكلًا من أشكال السفر عبر الزمن؟ ربما لا يمكننا العودة جسديًا، لكن أرواحنا تفعل ذلك كلما أغمضنا أعيننا واستسلمنا لحنين صادق.
وفي النهاية، قد لا يكون السؤال الحقيقي “ هل سنركب القطار؟” بل “ هل نحن بحاجة إليه حقًا؟”
 


تابعنا على
تصميم وتطوير