بكل صدق،حين نأتي على ذكر غزة، فالمسألة لا تقتصر على خيانة الأنظمة وتواطؤ الحكومات، بل تمتد إلى الشعوب التي تعوّدت وتكيّفت، ورضيت أن تنأى بنفسها عن الجرح، وكأنّه لا يعنيها.
كم مرة حقاً رفعت يديك خاشعاً تدعو لأهل غزة؟
هل لا تزال تتابع ما يحدث هناك، أم أن المشهد قد أصبح اعتيادياً؟
رغم أن ما يحدث اليوم أفظع وأشدّ إيلاماً من كل ما مضى.
لماذا ما زال الناس يشترون من الشركات الداعمة للاحتلال؟
ولماذا يخشى البعض التعبير عن تضامنهم خوفاً على حساباتهم على “إنستغرام” أو “تويتر”؟
لماذا لا نتبرع؟ لماذا لا نشارك في المسيرات؟ لماذا باتت النُصرة خياراً مؤجلاً؟
العدو يقتل، الغرب يبرر، الإعلام يلهي… ونحن؟
نحن صامتون، نائمون، مأخوذون بزيف الحياة.
لقد أعيدت برمجة الإنسان الحديث:
ليكون مستهلكاً لا مقاومًا،
حذراً على حسابه الإلكتروني لا صوته الأخلاقي،
حريصاً على شراء آخر صيحات السوق لا على مقاطعة القاتل،
صامتاً لأن الحقيقة قد تُنقص عدد متابعيه.
غزة ليست فقط ضحية احتلال غاشم،
بل ضحية نظام عالمي مادي جرّد الإنسان من تاريخه، من هويته، من قضيته،
نظام أقنعه أن لا حقيقة مطلقة، وأن كل شيء قابل للتأويل، حتى الدماء.
غزة تُقصف، نعم،
لكنها تُقصف أيضاً ببرود مشاعرنا،
بصباحاتنا المغموسة في اللامبالاة،
بصورنا المزخرفة على “إنستغرام” بحثاً عن معنى في حياة فقدت كل المعاني.
نُحاول أن نُظهر جمالاً زائفاً،
لكن الحقيقة أن صورنا تلك ملوّثة بدماء إخوةٍ لنا، ذنبهم أنهم يقفون في وجه العدو،
وأنهم لا يزالون يظنون، ببساطتهم ونقائهم، أننا معهم…
فهل نحن حقاً كذلك؟