تثير الحروب والنزاعات مسألة في غاية الأهمّية لجهة الآثار المدمّرة المترتبة عنها، وبصرف النظر عن كون اللجوء إلى الحروب وحسم النزعات بالقوّة هو مواصلة السياسات بطْرُقٍ أخرى، إلّا أنّ تجارب الشعوب والأمم تُثبت أنّ الكلفة الأساسية لهذه الحروب والنزاعات تتحمّلها أساسا الشعوب ولا يستفيد منها سوى «المنتصر « و»أمراء الحرب» الذين لا يهمّهم الدمار قَدْرَ تحصيل المال والمنافع. وتفيد التقارير الأممية أنّ كُلفة إعادة الإعمار في أوكرانيا على سبيل المثال قد تصل إلى إلى 524 مليار دولار على مدار العشرية القادمة لو تمكّنت الأطراف من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار هذه الأيام، فضلا عن تكلفة هذه الحرب التي بلغت إلى الآن 824 مليار دولار.. ويُطرح السؤال الخطير ؛ كيف يُمكن للشعوب والمجتمعات أن تسمح بسلك سياسات قد تؤدّي إلى نزاعات وحروب، من الواضح أنّها هي من تدفع ضريبتها ؟! إنّ قرار الحرب يبتدئ عموما بمفردات وخطاب يتضمّنان جرعة كبيرة من العنف، كأنْ تقرّر أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو وترى روسيا في ذلك عنفا موجّه ضدّها وعدوانا مباشرا على سيادتها وليصبح قرار الحرب متاحا وسَهْلٌ اتّخاذه، وإنّ قرار توسيع نطاق الحرب، أيّ حرب، يبتدئ هو الآخر في مستوى الكلام والخطاب ، كأنْ تشحد بعض الدول الأوروبية ، فرنسا على سبيل المثال ، المنابر الإعلانية والسياسية تحضيرا لحرب محتملة « لدرء الخطر الروسي»، والواضح إذاً، أنّ قرارات الحرب تُتّخذ في نطاق ضيّق وحتّى فردي أحيانا ولكنّ تداعياتها تتحمّلها المجتمعات والشعوب وعلى مدى الأجيال.. ولكنّ أكثر الشعوب معاناة في تاريخ البشرية ما زال يبحث عن حقوقه منذ أكثر من 70 سنة ؛ الشعب الفلسطيني الذي يتكبّد تداعيات القرارات السياسية من كلّ الأطراف، بَدْءًا بخطيئة الأمم المتّحدة الأولى التي جزّأت فلسطين التاريخية ومرورا باحتلال استيطاني غاشم بمارسة الكيان الصهيوني ووصولا إلى أطراف فلسطينية لم تستطع الالتقاء حول المصلحة الوطنية الفلسطينية.. إنّ كلفة الاحتلال على مدى 70 سنة هي بلا شكّ باهظة جدّا ولكنّنا لم نلحظ أو نرى من توجّه إلى الاحتلال الإسرائيلي لمطالبته بتعويض آثار الدمار الذي لحق بفلسطين وبالشعب الفلسطيني.. تقرير للأمم المتحدة، أفاد مؤخراً ، بأن إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمره العدوان الإسرائيلي يتطلّب أكثر من 53 مليار دولار، بينها أكثر من 20 مليارا على مدى الأعوام الثلاثة الأولى ، فمن يُجبر كيان الاحتلال على دفع الفاتورة؟