من اولى الخطوات التي تعزز الثقة بين المسؤول والمواطن هي مد جسور التواصل واقامة علاقة انسانية مبنية على الثقة والصراحة في معالجة الامور المستعصية التي تشغل بال المواطن بأسلوب انساني لايخلو من التعاطف وكسر العوائق والبساطة بدلا من التعالي والنظرة الدونية التي تؤدي الى تعميق الخلاف والابتعاد عن العمل المنتج، وفي معرض استعراضنا لجانب من هذا التفاعل لنرجع قليلا الى الوراء وتحديدا في زمن النظام الملكي، فقد اعتاد المسؤولون في عهد ذلك النظام على إقامة مأدبة افطار او دعوة عشاء سنوية لطلاب الكلية العسكرية الخريجين يحضرها علية القوم من المسؤولين لتبادل الحديث الودي بعيدا عن الرسميات والاوامر العسكرية ومن هذه الاجراءات التي اعتاد على تطبيقها ولي عهد العراق السابق الامير عبد الاله حيث كان يقيم سنويا احتفالا بتخرج طلاب الكلية العسكرية، ففي عام ١٩٥١ دعا الامير في وليمة اقامها بهذه المناسبة طلاب الكلية العسكرية الخريجين وقبل حضورهم الدعوة ألقى عليهم عميد الكلية محاضرة شرح فيها لهم السلوك الرسمي واصول حضور الولائم الملكية، خاصة ان اغلب الطلاب ينحدرون من القرى النائية من دون ان تكون لهم خبرة سابقة في حضور الولائم ولدى حضورهم الوليمة اختلطت عليهم القواعد والاصول نتيجة سوء استعمال الشوكة والسكين فلاحظ الامير عبد الاله ذلك، فألقى من يديه الملعقة، وقال لهم «يا اولادي لاتتكلفوا معي اريدكم ان تعتبرون هذا المكان مثل بيتكم فكلوا كما تأكلون في بيوتكم»، ثم دفع الشوكة والسكين جانبا وبدأ ياكل بيديه ولدى انتهاء الوليمة انفض الحاضرون للتجول في حديقة القصر غير ان نفرا منهم توغلوا الى ماهو ابعد فدخلوا القصر ووجدوا في احدى زوايا الصالة علبة من حلوى المن السما ففتحوها ولما استطابوا طعم محتوياتها اتوا على نهايتها واعادوا العلبة الى مكانها فارغة وبعد هنية دخل الوصي والحاضرين الصالة فدعاهم لتناول ما موجود في العلبة، وقال انها وصلتني اليوم من تركيا فالتقط العلبة فوجدها خفيفة على غير ما كان يتوقع ففتحها فإذا بها فارغة وشعر بالحرج وكأنه كان يعمل مقلبا غير ان احد الضباط المسؤول عن اكلها قال « اسف سيدنا انا والزملاء معي قمنا بأكلها»، فساد صمت رهيب جوانب الصالة لكن الامير عبد الاله قال للطالب « احسنت والحمد لله الآن فرحتموني أنا قلت لكم ان تعتبرون هذا البيت بيتكم والآن انتم تصرفتم كما لو كنتم في بيتكم وعوافي عليكم اكل هذا المن السما»، وقد استحسن الحاضرون كلماته فازدادوا انشراحا وانطلاقا في تلك الامسية من امسيات ايام الخير في ذلك العهد الزاهر، ورغم مايتصف به الامير عبد الاله من صفات نبيلة بحق شعبه فقد تمكن لفيف من هؤلاء العسكر بعد سبع سنوات من هذه الوليمة من التآمر عليه وقتله وسحله في شوارع بغداد في عملية تعسفية خالية من الانسانية.