في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ، تبرز “الأمية الرقمية” كواحد من أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي. فبينما يركض العالم نحو التحول الرقمي، لا تزال معظم ان لم يكن كل المجتمعات العربية تعاني من عدم القدرة على استخدام الأدوات التكنولوجية بالشكل الفعّال، مما يعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المجتمعات.
مفهوم الأمية الرقمية وأبعادها
لا يقتصر مفهومها فقط على عدم القدرة على استخدام الحواسيب أو الهواتف الذكية، بل يشمل أيضًا نقص المهارات الأساسية كالبحث على الإنترنت و استخدام التطبيقات الحكومية ويمتد حتى فهم أساسيات الأمن السيبراني. فوفقا لتقرير الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) لعام 2022 فإن نسبة الأفراد الذين يمتلكون مهارات رقمية أساسية في العالم العربي لا تتجاوز 35 %، مقارنة بـ 65 % في الدول المتقدمة.
الأرقام تكشف الواقع
تشير إحصاءات منظمة اليونسكو إلى أن أكثر من 50 مليون عربيا يعانون من الأمية الرقمية، مع تفاوت كبير بين الدول. ففي دول مثل الإمارات وقطر، حيث البنية التحتية الرقمية متطورة تقل النسبة عن 20 %، بينما ترتفع إلى أكثر من 70% في دول مثل اليمن والسودان. تعكس هذه الفجوة الرقمية عدم المساواة في الوصول إلى التعليم والتدريب التكنولوجي.
تأثير الأمية الرقمية على الاقتصاد
هي ليست مجرد قضية اجتماعية، انها عائق اقتصادي كبير. فوفقًا لدراسة أجرتها جامعة الدول العربية عام 2021، تقدر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الأمية الرقمية في العالم العربي بنحو 50 مليار دولار سنويا، تأتي هذه الخسائر من انخفاض الإنتاجية، وانعدام القدرة على المنافسة في سوق العالمي للعمل ، وايضا من فقدان الفرص التي توفرها الاقتصادات الرقمية.
مواجهة التحدي
بعض الدول العربية بدأت في تبني استراتيجيات لمواجهة هذه المعضلة، ففي المملكة العربية السعودية، أطلقت رؤية 2030 برامج تدريبية لتعزيز المهارات الرقمية. وفي مصر، تم إطلاق مبادرة “روّاد التكنولوجيا” لتدريب الشباب على البرمجة وتطوير التطبيقات. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود غير كافية من غير تعاون إقليمي ودولي لوصول التدريب الرقمي إلى المناطق النائية.
خاتمة
ان الأمية الرقمية في العالم العربي ليست مجرد تحد تكنولوجي، بل هي معضلة تنموية شاملة تتطلب حلولا جذرية عاجلة، وبدون معالجة هذه المعضلة، فإن العالم العربي سيستمر في التخلف عن الركب، وبالتالي فإن أهداف التنمية المستدامة ان وجدت (1) سوف لن تتحقق. اما الخطوات الأولى نحو مستقبل أكثر إشراقًا فتتمثل في الاستثمار في التعليم الرقمي وتوفير البنية التحتية التكنولوجية.