رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
هل يغير ترامب النظام المالي العالمي؟


المشاهدات 1215
تاريخ الإضافة 2025/03/23 - 9:50 PM
آخر تحديث 2025/03/31 - 2:37 AM

سنقدم في هذا المقال تحليل استراتيجي لمآلات الانسحاب الأمريكي، في حال أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سحب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فستكون لهذه الخطوة تداعيات هائلة على النظام المالي العالمي. فبعد 80 عاماً من قيادة واشنطن لهذه المؤسسات، فإن انسحابها لن يكون مجرد تعديل طفيف في المشهد المالي، بل قد يكون بداية تحول هيكلي نحو نظام مالي عالمي متعدد الأقطاب، تلعب فيه الصين وغيرها من القوى الصاعدة دوراً كبيراً.
في هذا التحليل، سنناقش تداعيات الانسحاب الأمريكي من ثلاثة محاور رئيسية:
1 - تأثيره على صندوق النقد والبنك الدوليين
2 - انعكاسه على الاقتصاد الأمريكي ودور الدولار
3 - المستفيدون والخاسرون المحتملون في النظام المالي الجديد
أولاً: التأثير على صندوق النقد والبنك الدوليين: 
1 - فقدان التصنيف الائتماني AAA
الولايات المتحدة هي أكبر مساهم في صندوق النقد الدولي بحصة تبلغ 17.4%، مما يمنحها حق النقض (الفيتو) في القرارات الرئيسية. انسحابها سيجرد الصندوق والبنك الدوليين من أعلى تصنيف إئتماني ممكن (AAA)، ما يرفع تكاليف الاقتراض عليهما، ويقلل من قدرتهما على تقديم القروض للدول المحتاجة، خصوصاً الاقتصادات الناشئة التي تعتمد عليهما في برامج الإصلاح المالي.
2 - تراجع دور المؤسستين في الاستقرار المالي العالمي لطالما كان صندوق النقد والبنك الدوليان أدوات رئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث تستخدمهما واشنطن لتوجيه سياسات الدول النامية بما يخدم مصالحها. إذا انسحبت أمريكا، فإن هاتين المؤسستين ستفقدان جزءاً كبيراً من نفوذهما، ما سيفتح الباب أمام بدائل أخرى مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) الذي تقوده الصين.
ثانياً: التأثير على الاقتصاد الأمريكي والدور العالمي للدولار:
1 - تسريع تراجع هيمنة الدولار
انسحاب أمريكا من صندوق النقد والبنك الدوليين سيؤدي إلى تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة والتمويل الدوليين، خاصة إذا دفعت الصين وروسيا ودول أخرى نحو استخدام عملاتها المحلية أو إنشاء نظام مالي بديل. اليوم، يشكل الدولار حوالي 59 % من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، لكن هذا الرقم قد ينخفض إذا فقدت أمريكا نفوذها المالي العالمي.
2 - فقدان النفوذ السياسي والاقتصادي
صندوق النقد والبنك الدوليان يتيحان لواشنطن فرض شروط اقتصادية على الدول النامية مقابل الحصول على التمويل، مثل الخصخصة، وتقليص الدعم الحكومي، وتحرير الأسواق. من دون هذا النفوذ، ستواجه واشنطن صعوبة أكبر في فرض سياساتها الاقتصادية والجيوسياسية على الدول التي تعتمد على التمويل الدولي.
3 -  خسارة المزايا التجارية للشركات الأمريكية
الشركات الأمريكية حالياً تستفيد من عقود بمليارات الدولارات لمشاريع البنية التحتية والطاقة التي يمولها البنك الدولي. في حال انسحاب أمريكا، قد تفقد هذه الشركات وصولها التفضيلي لهذه العقود، مما يعزز فرص الشركات الصينية والأوروبية في السيطرة على هذه الأسواق.
ثالثاً: المستفيدون والخاسرون من التحول المالي الجديد:
المستفيد الأول: الصين
إذا انسحبت واشنطن، ستكون بكين المستفيد الأكبر، لعدة أسباب:
1 - يمكنها زيادة حصتها في صندوق النقد الدولي من 5 % حاليًا إلى 10 % أو أكثر، مما يمنحها تأثيراً أكبر على السياسات المالية العالمية.
2 - الدول التي كانت تعتمد على تمويل صندوق النقد والبنك الدوليين قد تتجه نحو الصين، التي تقدم قروضاً بدون شروط سياسية صارمة عبر مبادرة الحزام والطريق.
3 - ستعزز مكانة اليوان الصيني كبديل محتمل للدولار في الأسواق الناشئة، خصوصاً مع التوسع في اتفاقيات تبادل العملات الثنائية (swap agreements). الخاسرون: الدول النامية المعتمدة على صندوق النقد الدول النامية التي تعتمد على قروض صندوق النقد والبنك الدوليين قد تواجه زيادة في تكاليف الاقتراض، مما يؤدي إلى أزمات ديون أعمق. وهذا قد يدفعها إلى الاقتراض بشروط أقل شفافية من الصين، مما قد يؤدي إلى زيادة النفوذ الصيني في سياساتها الداخلية.
الرابح والخاسر المحتمل: أوروبا
الرابح: إذا سحبت أمريكا دعمها، قد تجد أوروبا فرصة لملء الفراغ المالي داخل صندوق النقد والبنك الدوليين، ما يعزز نفوذها المالي.
الخاسر: ولكن، في المقابل، قد تتجه الأسواق الناشئة نحو الصين بدلاً من أوروبا، مما يجعل الاتحاد الأوروبي لاعباً مالياً أقل تأثيراً على المدى الطويل. هل يتجه العالم نحو نظام مالي عالمي جديد؟
انسحاب أمريكا من صندوق النقد والبنك الدوليين لن يكون مجرد قرار داخلي، بل زلزال مالي عالمي سيؤدي إلى: 
1. إضعاف هذه المؤسسات المالية ورفع تكاليف الاقتراض عالميًا. 
2.  تقليص نفوذ الدولار في التجارة الدولية، وتسريع صعود العملات البديلة.
3. تعزيز دور الصين كلاعب رئيسي في التمويل العالمي، على حساب النفوذ الأمريكي التقليدي.
لكن السؤال الأهم: هل ستجرؤ واشنطن على اتخاذ هذه الخطوة؟


تابعنا على
تصميم وتطوير