دعونا نفحص أولا مفردة “الجديد” في عبارة أو مصطلح أو مفهوم “الشرق الأوسط.. الجديد”. الشرق الأوسط منطقة جغرافية حالها حال الشرق الأدنى، أو جنوب شرق آسيا أو القوقاز أو حتى أوروبا مع إضافة مفهوم آخر هو “أوراسيا” يعني أوربا وآسيا، أو مجال جغرافي مرتبط بسياق إقتصادي “النمور الأسيوية”. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا أضيفت مفردة “الجديد” على مصطلح أو مفهوم “الشرق الأوسط” دون سواه من المفاهيم او المصطلحات أو المجالات الأخرى؟ الأمر في الواقع لا يتعلق ببرنارد لويس ولا بدونالد رامسفيلد ولا بكوندليزا رايس وفوضاها الخلاقة إلا فيما يخدم المجال الحيوي للكيان الإسرائيلي رغم كل التصورات التي قدمها هؤلاء بوصفها رؤية شاملة لمنطقة كاملة أو تكوينا جغرافيا بمساحات شاسعة وتضاريس مختلفة. رئيس الكيان الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز وهو أحد المؤسسين لهذا الكيان والذي شغل مناصب مهمة “رئيس أركان، وزير دفاع، رئيس وزراء، رئيس الكيان نفسه“، أقول إن بيريز هو الذي أعاد صياغة مفهوم “الشرق الأوسط الجديد” والذي صدر على شكل كتاب له عام 1992 على إثر أولى المباحثات التي جرت بين الكيان الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن والتي تم تتويجها بإتفاقيات أوسلو أيام “حيدر عبد الشافي وحنان عشراوي” لمن يريد أن ينعش ذاكرته بما حصل تلك الأيام. وتلك المفاوضات جاءت بعد نحو أكثر من عقد من الزمان على مباحثات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل على عهد الرئيس المصري آنذاك أنور السادات ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي مناحين بيغن.لكن الفرق بين مباحثات كامب ديفيد والسلام الذي أسماه وزير الخارجية المصري الأسبق محمد إبراهيم كامل “السلام الضائع في كامب ديفيد” حيث إستقال من منصبه عشية التوقيع على إتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل أن الفرق بين ذاك “السلام” الذي بقي ضائعا وبين ما حصل بعد نحو 14 عاما هو أن تبني الصلح الجديد في أوسلو ووادي عربة فيما بعد بدا كما لو أن ثمة سياق آخر لتعامل دول المنطقة مع مخرجات ما حصل والذي جاء كله، هذه المرة، وبلا مواربة لصالح إسرائيل. لانريد أن نستغرق في التاريخ طويلا لأن الوقائع معروفة ولأن الحيز محدود لكن ما نريد الوصول اليه كخلاصة نهائية إن كل مايجري الآن بمن في ذلك ترديد المصطلحات ببغاويا، ومنها “الشرق الأوسط الجديد”، هو ليس أكثر من تسويق بكلف باهظة للمشروع الصهيو ـ أميركي في منطقتنا. هذه المنطقة التي يراد لها أن تبقى أنظمتها متناحرة لأن هذه الأنظمة التي تحمل شعار محاربة إسرائيل وظفت كل قدراتها لتوهين بعضها البعض بعد أن نجحت المشاريع الثانوية الطائفية مرة والعرقية مرة في أن تكون هي البديل في محاربة الكيان الذي يراد له أن يحتكر وحده .. جديد الشرق الأوسط وقديمه.