تشهد العلاقات الدولية أوضاعا متوتّرة وغير مسبوقة ، وسواء تعلّق الأمر بالحرب الروسية الأوكرانية أو بمجمل القضايا الدولية الأخرى، فإنّ الدول في غالبيتها تحاول تأمين مصالحها من خلال العودة إلى التسلّح بكلّ أبعاده
ولم تعد مساعي التسلّح مقتصرة على التجهيزات العسكرية العادية وتقوية الجيوش بالعتاد التقليدي ، بل تعدّتها إلى البحث عن تأمين الحماية بضرورة الحصول على الأسلحة الاستراتيجية ومنها السلاح النووي .
وتعتقد الدول أنّ الاستثمار في التصنيع النووي من شأنه أن يوفّر الحماية الضرورية الاستراتيجية لمصالح المجتمعات والدول ، بما يعني أنّ منظومة العلاقات الدولية المنبثقة عن الحرب العالمية الثانية والتي تقدّم التعاون والشراكة بين الدول على الحروب والنزاعات قد تكون وصلت إلى منتهاها . وبات من البيّن أنّ منظمة الأمم المتّحدة وأجهزتها المختصّة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي ، لم تعد قادرة على تأمين المقاصد التي تضمّنها ميثاق الأمم المتّحدة وخصوصا ، حفظ السلم والأمن الدولي ، وتحقيق التعاون في شتّى المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية ، وبما يضمن عدم العودة إلى آليّة الحروب لفضّ النزاعات . وكان الردع النووي الذي كانت تختصّ به دول خمس، هي الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق ( روسيا حاليا )وبريطانيا وفرنسا والصين ، عاملا بدا كافيا لمنع نشوب حروب أخرى بين القوى العظمى ، بما يضمن عدم اندلاعها بين دول أخرى ، ولكنّ فشل مجلس الأمن في حسم النزاعات بين الدول واعتماد سياسة تعدّد المكاييل فتحا المجال لسباق التسلّح النووي محدّدا ، على أساس أنّ منظومة الردع النووية للدول الخمس لم تعد تفي بالحاجة ، وبدل أن يكون النووي من وسائل الردع ، أصبح وجوده وانتشاره يهدّد بنشوب حرب نووية مدمّرة البشرية ، وبدأت الدول ترى أنّ السبيل الوحيد لحماية مصالحها هو تملّك السلاح النووي . ويبدو من الواضح ميدانيا ، أنّ محرّد تملّك السلاح النووي لم يمكّن البشرية من تأمين السلم وفضّ النزاعات ومنع حدوثها ، بل هو عامل إضافي لمزيد التوتّر بين الدول والمجتمعات وهو ما يطرح بجدّ التساؤل حول الجدوى من الوجود النووي أصلا . وإنّ انعدام الجدوى هذا ، هو نتيجة فشل منظمة الأمم المتحدة في احتواء الظاهرة النووية ، وعدم تمكّنها من كبح رغبات بعض الدول في امتلاك السلاح النووي وكذلك وبالخصوص نزوع بعض الدول المالكة لهذا السلاح المدمّر إلى مساعدة دول أخرى إلى حيازته وتصنيعه وهو ما فتح الباب مشرعا أمام الفوضى النووية .
إنّ الخطيئة الأولى تكمن في تصنيع سلاح رأينا آثاره المدمّرة في هيروشيما وناغازاكي وأمّا أكبرها فهي توسيع نطاق السلاح النووي على يد من أمّنهم الميثاق الأمني على الأمن والسلم الدولييْن .