لم تكن ايام شهر رمضان خلال فترة عقود التسعينيات وما خلفته سياسات تلك الفترة من مآسي بحق الشعب العراقي لم تكن كبقية ايام رمضان التي عرفناها وكان من ابرز هذه المآسي هي فترة فرض الحصار الاقتصادي بعد غزو الكويت ولم تكن تلك الايام اياما سعيدة بل كانت ايام مثقلة بالالام والهموم والحسرة بسبب ضيق حال المواطن وعدم قدرته على شراء المستلزمات الغذائية الضرورية للمائدة العراقية التي تعود على شرائها قبل الحصار خاصة وان المائدة العراقية في هذا الشهر الفضيل كانت عامرة بما لذ وطاب من مأكولات وكان اكثر مايشغل المواطن كيفية الحصول على «لحمة او عظمة» يغمس فيها الصائم رغيف الخبز الذي يملكه والذي يحتوي على العديد من البلاوي غير الصالحة للتغذية لكن المواطن كان يتناولها رغما عنه ليسد جوعه وفي محاولة من الدولة في ذلك النظام البائس لوضع طريقة للتواصل بين المواطن الصائم وبقية المأكولات التي حرم منها ولكي لاينسى شكلها ولونها وطعمها أقدمت الدولة على تنظيم موائد إفطار اسمتها «موائد الرحمن» ومن مشاهداتي لهذه الموائد التي كانت تقام يوميا في القصور الرئاسية يوم أرسلتني دائرتي وكالة الانباء العراقية لتغطية المناسبة اعلاميا حيث بدأ العمل بها مع بداية شهر رمضان شاهدت تجمع مئات المواطنين للمشاركة في تناول الوليمة التي كانت تضم مختلف اصناف الطعام المطعم باللحوم والدجاج والفاكهة ومختلف انواع الحلويات الغالية الثمن كنت اتمعن هذه الاطعمة بلهفة حتى سال لعابي من تلك التشكيلة انا العبد لله الصائم وما ان اعلن الافطار بعد اطلاق زخة من اطلاقات المدفعية حتى هم الحضور باخراج اكياس من جيوبهم الخاصة وبدأ الركض باتجاه المائدة في سباق اشبه بسباق الماراثون كل يخمط نوع من الاطعمة ويضعه في الكيس الذي يحمله الذي اصبح يضم الرز مع انواع عديدة من المرق والحلويات واغلبها في نفس صحونها وخرج الجميع وهم في نشوة الانتصار وهم يحملون على اكتافهم الاكياس التي حملت ما لذ وطاب من الاطعمة التي لم يتذوقوها منذ عقد من الزمن يوم كان العراقي يتصدق على الدول الفقيرة ليطعمها من خيرات العراق التي حُرِمَ منها ابناؤه نتيجة افعال السياسيين وادخال العراق في حروب عبثية ليس لنا القدرة على تحمل اعبائها وما افرزته هذه الحروب التي جعلت من العراق بلدا يعيش ابناؤه في مستوى معاشي دون خط الفقر رغم الامكانيات والثروات التي يملكها وبقي الحال على ما هو عليه ولم نخطو خطوات اكثر وضوحا لنقل المستوى المعاشي للفرد وليتمتع بما يتمتع به اي مواطن يعيش في العالم ولو بالحد الادنى من الاكتفاء الذاتي وسد احتياجات العائلة التي هي في امس الحاجة للتمتع بايام اكثر سعادة في هذا الشهر الفضيل الذي لم يشعر بلذته اغلب المواطنين رغم قدسيته في بلد يتربع على بحر من ثروات النفط التي اصبحت وبالا علينا بدلا من ان تكون مصدر رخاء وازدهار لهذا الشعب الطيب.